` `

ما صحة تصريح نتنياهو أنّ أربعة من أصل خمسة أميركيين يدعمون الحرب على غزة؟

أحمد دهبي أحمد دهبي
سياسة
10 مارس 2024
ما صحة تصريح نتنياهو أنّ أربعة من أصل خمسة أميركيين يدعمون الحرب على غزة؟
يزداد التعاطف مع القضية الفلسطينية في فئة الشباب الأميركي (Getty)

أشارت صحيفة ذا جيروساليم بوست الإسرائيلية، يوم الاثنين 27 فبراير/شباط الفائت، إلى تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال فيه إن "أربعة من كل خمسة مواطنين في الولايات المتحدة الأميركية يدعمون إسرائيل"، مستشهدًا بإحصائية صدرت مؤخرًا عن مؤسسة هارفارد كابس/هاريس بول. وأضاف نتنياهو أنّ هذا الدعم يمنح إسرائيل المزيد من القوة لاستكمال حملتها [في غزة] حتى النصر التام، حسب تعبيره.

إحصائية هارفارد كابس/هاريس بول الأميركية التي استشهد بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
إحصائية هارفارد كابس/هاريس بول الأميركية التي استشهد بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

جاء تصريح نتنياهو في سياق رده على تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن في برنامج "Late Night with Seth Meyers" على شبكة إن بي سي، عندما قال "الحكومة الإسرائيلية ستخسر الدعم الدولي في حال استمرت على نهجها اليميني المتشدد الحالي".

ما حقيقة أن أربعة من أصل خمسة أميركيين يدعمون الحرب الإسرائيلية على غزة؟

استشهاد نتنياهو بالإحصائية فيه جوانب مضللة، إذ إنّ بقية الإحصائيات للرأي العام الأميركي بخصوص الحرب على غزة لا تُظهر هذه النسبة من التعاطف أو الدعم لإسرائيل. إذ أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، في مقال منشور يوم 27 فبراير الفائت إلى أن هذه الإحصائية تضع الأميركيين بين خيارين هما إسرائيل وحركة حماس، على عكس بقية الإحصائيات التي تضع خيارات مختلفة مرتبطة بـ"الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين"، والتي تُظهر نتائج مغايرة.

ويضيف المقال أن هذه الإحصائية على عكس غيرها، لم تترك للمشاركين خيار "عدم المعرفة" أو "الدعم المتساوي لكلا الطرفين"، أو غيرها من الخيارات التي توفرت في الإحصائيات الأخرى، وكانت نسبتها هي الغالبة إحصائيًّا، وعليه اُضطر المشاركون إلى الاختيار بين خيارين حتى لو لم يكن لديهم رأي أو معرفة بالموضوع. 

وتقول الصحيفة إنّ الأميركيين يدعمون إسرائيل بالفعل ولكن بنسبة أقل بكثير من التي ادّعاها نتنياهو، وإن التحدي الذي يواجه إسرائيل في الولايات المتحدة حاليًا هو موقف الديموقراطيين والشباب الأميركي.

فما الذي تظهره بقية إحصائيات الرأي العام الأميركي بخصوص القضية الفلسطينية، ولماذا تشعر سلطات الاحتلال بالقلق من توجهات فئة الشباب الأميركي؟

الرأي العام الأميركي حول القضية الفلسطينية قبل عملية السابع من أكتوبر

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نشرت صحيفة فاينانشيال تايمز، مجموعة من الإحصائيات التي أعدتها وكالة رويترز بخصوص الرأي العام الأميركي فيما يتعلق بـ"الصراع الفلسطيني الإسرائيلي". 

من إحصائيات مؤسسة رويترز قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023
من إحصائيات مؤسسة رويترز قبل السابع من أكتوبر 2023

في إحدى الإحصائيات التي أُعدّت في مايو/أيار 2023، سُئل مواطنون أميركيون عن الطرف الذي يتعاطفون معه أكثر (فلسطين أم إسرائيل)، جاءت نسبة التعاطف مع إسرائيل 29%، بينما نسبة التعاطف مع الفلسطينيين 15%، وكانت النسبة الغالبة من المشاركين 55%، إما أنهم يتعاطفون مع كلا الطرفين بشكل متساوٍ أو إمّا أنهم غير قادرين على اتخاذ قرار محدد. 

بعد بداية العدوان الإسرائيلي على غزة تغيّر اتجاه الرأي العام الأميركي بخصوص القضية الفلسطينية، إذ أظهرت الإحصائيات خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أن نسبة التعاطف مع اسرائيل بين الأميركيين زادت حتى وصلت إلى 41%، في مقابل انخفاض التعاطف مع الفلسطينيين ليصل إلى 13%، وكانت النسبة الغالبة 47% بين الحياد وعدم التأكد.

من إحصائيات مؤسسة رويترز بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول وخلال عام 2023
من إحصائيات مؤسسة رويترز بعد السابع منذ أكتوبر/تشرين الأول وحتى نهاية 2023

أجريت تلك الإحصائية في الفترة التي عملت فيها إسرائيل على نشر دعايتها التي تتضمن تلفيقات عدّة حول ما جرى يوم 7 أكتوبر، بما فيها قصص أظهرت تقارير لمسبار زيفها مثل عثور الجيش الإسرائيلي على أطفال مقطوعي الرأس في مستوطنات غلاف غزة التي اجتاحتها حركة حماس، والتي روجتها عدد من وسائل الإعلام الغربية الكبرى لتتراجع عنها لاحقًا.

ويلاحظ في هذه الإحصائية أن أكثر المتعاطفين مع إسرائيل في الولايات المتحدة بنسبة 76%، هم من المواطنين الذين صوتوا لدونالد ترامب في 2020، بينما الأكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين هم من فئة الشباب والمراهقين (18-29) بنسبة 28%.

ازدياد تعاطف الأميركيين مع الفلسطينيين مع استمرار الحرب على غزة

تظهر الإحصائيات التي أجريت خلال شهر يناير/كانون الثاني الفائت، أن الرأي العام الأميركي يتجه نحو المزيد من التعاطف مع الفلسطينيين. ففي إحصائية ذا إيكونوميست يو جوف بول، التي أجريت بين يومي 21 و23 يناير 2024، سُئل مواطنون أميركيون "هل الحملة الإسرائيلية على غزة تمثل إبادة جماعية، أم لا؟"، أجاب 35% من المشاركين أنها إبادة جماعية، بينما رفض 36% هذه الإجابة، ولم يستطع 29% من المشاركين إعطاء إجابة محددة.

يلاحظ في هذه الإحصائية أن 49% من المشاركين من الشباب والمراهقين (18-29 سنة)، يرون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، بينما 24% فقط يرفضون هذه الإجابة. وتقترب هذه النسب من نسب إجابة المشاركين الديمقراطيين. 

صورة متعلقة توضيحية
إحصائية إيكونوميست يو جوف بول التي أجريت بين يومي 21 و23 يناير 2024

تغير اتجاه الرأي العام الأميركي حول الحرب على غزة يقلق إسرائيل

"معظم الشباب الأميركيين يدعمون الدعوات لإبادة اليهود"، استخدمت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية هذه العبارة في مطلع مقالها المنشور يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، والذي يتتبع نتائج إحصائية أجرتها مؤسسة هارفارد كابس/هاريس بول الأميركية.

يُشير المقال إلى قلق إسرائيلي من ميل الشباب الأميركي بين 18-24 سنة، إلى التعاطف مع الفلسطينيين، وإظهار آراء سلبية تجاه دولة الاحتلال. وجاء في أول فقرات المقال "نصف الشباب الأميركي الذي سُئل عن الصراع بين إسرائيل وحماس، يؤمن أنه يجب محو الدولة اليهودية واستبدالها بكيان فلسطيني".

صورة متعلقة توضيحية

ويفيد المقال أن 60% من هؤلاء الشباب، يظن أنّ حملة طوفان الأقصى التي قادتها حركة حماس ضد مستوطنات غلاف غزة، يمكن تبريرها بالظلم الواقع على الفلسطينيين، ثم يستطرد كاتب المقال أن "هذا يشير إلى أنهم يؤمنون أن إبادة الإسرائيليين مبررة".

وفي موضع آخر يستشهد المقال بأن 53% من الشباب الأميركي في هذه الفئة العمرية، يرى أن الطلاب في الحرم الجامعي من حقهم الدعوة لإبادة اليهود. ولكن لا يبيّن المقال أن ما يتم الجدال حوله في وسائل الإعلام وفي الجامعات الأميركية على أنه “الدعوة لإبادة اليهود”، هو في الواقع هتاف "فلسطين حرة من النهر إلى البحر".

لماذا يتعاطف الشباب والمراهقين الأميركيين مع الفلسطينيين أكثر من غيرهم؟

تناقش صحيفة ذا واشنطن بوست الأميركية، في مقال نُشر في 21 ديسمبر 2023، توجه الشباب الأميركيين بين 18-29 سنة، نحو التعاطف أكثر مع الفلسطينيين وأقل مع إسرائيل، ويتساءل المقال "لماذا تتناقض آراء هذه الفئة العمرية مع آراء الأميركيين الأكبر سنًّا، الذين يزيد عمرهم عن الستين سنة؟".

يستعين المقال بآراء مجموعة من المتخصصين للإجابة عن هذا السؤال، ومنهم دوف واكسمان، مدير مركز يونس وثريا نازاريان للدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا، الذي يفسر الأمر بأنّ هاتين الفئتين العمريتين المتباعدتين، تمثلان جيلين عاصرا روايتين مختلفتين تمامًا عن إسرائيل، وعليه يَحْمل كل منهم ذاكرة مختلفة عن إسرائيل. 

ويضيف أنّ الجيل الأكبر من الأميركيين عايش الهولوكوست والويلات التي عاشها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وينظرون إلى إسرائيل على أنها قصة عودة اليهود إلى الوطن الأم بعد شتات استمر لمدة ألفي سنة من الاضطهاد، كما نظر هذا الجيل إلى إسرائيل كدولة صغيرة حديثة العهد باقتصاد ضعيف وحروب متصلة مع أعداء يحيطونها من كل الجهات، وأُعجب بانتصارات إسرائيل على أعدائها العرب خلال حروب 1948، و1967، و1973. 

بينما يرى واكسمان أنّ الجيل الأصغر سنًّا عايش رواية مختلفة لإسرائيل كدولة نووية باقتصاد قوي وجيش جبار، وتعرّف إلى "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" من خلال التقارير عن الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والجدران العازلة، وحرمان الفلسطينيين من الماء وحرية الحركة والمحاكمات العادلة. 

في حين يعتقد جوي أيوب، الكاتب ومقدم البودكاست والأكاديمي الفلسطيني اللبناني، أنّ جيل الشباب الأميركيين يرى القضية الفلسطينية من وجهة نظر العدالة العرقية في الولايات المتحدة. ويضيف أيوب أنه من السهل رؤية وجه الشبه بين جندي مدجج بالسلاح ورجل شرطة يهيمن على مساحة يشغلها مجموعة من الناس الأقل قوة، سواء كان هذا في بلدة في الضفة الغربية المحتلة أو في حي تسكنه أغلبية سوداء في الولايات المتحدة. 

وأخيرًا، يضيف المقال أنّ بعض الخبراء يُرجعون هذا التحول إلى غياب الانتماء الديني عند الشباب الأميركيين، إذ يعدّ الجيل الأكبر سنًّا أن إسرائيل هي رأس الحربة في الصراع بين “الحضارتين اليهودية المسيحية وميليشيات الإسلام، في حين يبتعد الجيل الأصغر عن قياس هذه القضايا من وجهة نظر إنجيلية دينية”. 

اقرأ/ي أيضًا

رغم الأدلة التي تكشف تورطه: الجيش الإسرائيلي يواصل التنصل من مجزرة الطحين

قبل الانتخابات: أنصار ترامب يشاركون صورًا مفبركة له مع ناخبين من أصحاب البشرة السمراء

الأكثر قراءة