` `

هل تصعّب الشركات التقنية مهمّة رصد وتحليل المعلومات المضللة على مُتقصّي الحقائق؟

فراس دالاتي فراس دالاتي
تكنولوجيا
25 يونيو 2024
هل تصعّب الشركات التقنية مهمّة رصد وتحليل المعلومات المضللة على مُتقصّي الحقائق؟
تعمل منصات التواصل على إلغاء الخاصيات التي كانت مفيدة لمدققي المعلومات (Getty)

تنتشر على منصتي تيك توك وانستغرام، مقاطع فيديو مولّدة بالذكاء الاصطناعي، ومكوّنة من تجميع عشوائي لمقاطع على الإنترنت تحتوي على "نصائح" و"حقائق نادرة"، غالبًا لا يكون لها أساس علمي، وتظهر لأي مستخدم، حتى إن لم يشاهد هذا النوع من المقاطع مسبقًا. فيما تنتشر في المتاجر الإلكترونية التقييمات الزائفة والتعليقات المولّدة بالذكاء الاصطناعي، وقوائم الكتب الأكثر مبيعًا على أمازون، إضافة إلى القنوات الطبية على يوتيوب التي تروّج لعلاجات غير مثبتة علميًا لمرضى السرطان وغيرها من الأمراض.

ولم يقتصر الأمر على بعض أنواع المحتوى على الإنترنت، إذ شهدت الانتخابات البرلمانية الأوروبية مطلع هذا الشهر، حملات تضليل وتأثير غير مسبوقة، كذا الأمر في الولايات المتحدة الأميركية إبان الانتخابات الرئاسية. ولم يسلم موسم الحج هذا العام من حملات التضليل وانتشار المعلومات الزائفة حوله، ووصل الأمر بأداة AI Overview، التي طرحتها غوغل لتقديم إجابات مولّدة بالذكاء الاصطناعي عبر محرك بحثها، إلى توصية القرّاء بـ"وضع الغراء على البيتزا لتثبيت الجبن".

هل ذلك يعني تفشي المعلومات المضللة على الإنترنت أكثر من أي وقت مضى؟ لتقديم إجابة منهجية يلجأ الباحث أو مدقق المعلومات عادة إلى البيانات لرصدها وتحليلها من أجل التوصل إلى نتائج دقيقة، لكن في هذه الحالة، فإن البيانات التي سيحتاجها الباحث ستكون مغلقة خلف أبواب الشركات التي تدير منصات وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط التي يزدهر فيها التضليل والترويج للمعلومات الكاذبة ونظريات المؤامرة. إذ يُعدّ تقييم مدى وصول المعلومات الزائفة والمضللة وحجم انتشارها، في يومنا هذا، عملية مرهقة وغير مباشرة وذات نتائج غير مثالية.

لكن هل شركات مثل غوغل وميتا وتيك توك غير مهتمة بمعالجة هذه المشكلة؟ الإجابة عن هذا السؤال أيضًا غير كاملة، ولكن هناك بعض الإجراءات والخطوات التي اتخذتها تلك الشركات مؤخرًا قد تساعد على الاقتراب من الإجابة.

اختفاء طرائق قياس المعلومات المضللة

أحد أهم الأشياء التي يمكن للصحفي القيام بها أثناء الكتابة عن انتشار المعلومات المضللة والزائفة عبر الإنترنت، هو إيجاد طريقة لقياس مدى انتشارها. إذ هناك فرق كبير في الأثر الذي يتركه مقطع فيديو على يوتيوب حصد 1000 مشاهدة، وآخر حصد 16 مليون مشاهدة. ولكن في الآونة الأخيرة، بعض المقاييس الرئيسة المستخدمة لوضع المعلومات المضللة والزائفة ذات الانتشار "الفيروسي"، بدأت تختفي من الفضاء العام.

على سبيل المثال، قام تيك توك بتعطيل خاصية عدد المشاهدات للوسوم (الهاشتاغات) الشائعة في وقت سابق من هذا العام، وتحول بدلًا من ذلك إلى إظهار عدد المنشورات التي نُشرت على تيك توك مستخدمةً تلك الوسوم. كما أعلنت ميتا أنها ستقوم في أغسطس/آب المقبل، بإغلاق أداة CrowdTangle، وهي أداة ذات شعبية واسعة واستخدام كبير من قبل الباحثين والصحفيين الذين يتطلعون إلى فحص كيفية انتشار المعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي عن كثب.

صورة متعلقة توضيحية

من جهته، قرر إيلون ماسك، بعد رصد مستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي إعجابات مثيرة للجدل قام بها عبر حسابه الشخصي، أن يجعل "الإعجابات" غير متاحة للعامة على منصة إكس، وهو قرار، قد يكون له بعض الفوائد المتعلقة بالخصوصية بالنسبة للمستخدمين العاديين لإكس، إلا أنه يضر بالمساءلة من جهة أخرى، ويصعّب مهمة رصد وتحليل سلوكيات اللجان الإلكترونية والروبوتات التي تزدهر في تضخيم حملات التأثير على المنصة.

ومع تقييد الوصول إلى واجهات برمجة تطبيقات النظام الأساسي (API) التي كانت أساسية في عمل بعض الأدوات البرمجية التي تساعد على الرصد، فإن قدرة الباحثين على تتبع ما يحدث على الإنترنت ومحاولة ضبطه باتت محدودة.

إن اختفاء تلك المقاييس والمؤشرات يعدّ إجراء معاكسًا تمامًا لما يوصي به كثيرون من الخبراء في المعلومات الزائفة والمضللة. إذ إنّ الشفافية والإفصاح هما عنصران رئيسيان في جهود الإصلاح ومكافحة التضليل التي تقودها الجهات الناظمة والكيانات القانونية، كما في حالة قانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.

ورغم أن بعض المسؤولية يندرج ضمن جهود محو الأمية الإعلامية ورفع الوعي في كيفية استهلاك المحتوى والأخبار، إلا أن جزءًا من هذا يجب أن يأتي من المنصات نفسها والشركات المالكة لها. فعلى سبيل المثال، يؤدي الترويج لروبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي كأداة بحث متقدم، كما فعلت شركة أوبن إيه آي في بدايات طرح تشات جي بي تي، إلى رفع التوقعات إلى مستويات لا يمكن للخدمة نفسها تلبيتها.

ما مدى جدية جهود المنصات لمكافحة التضليل؟

لا تعمل خوارزمية التوزيع والانتشار بشكلها الحالي على تضخيم المعلومات المضللة فحسب، بل إنها تساعد الشركات المالكة لتلك المنصات على جني الأموال منها، سواء كان ذلك من خلال مبيعات الإعلانات والحملات الترويجية التي ينظمها ناشرو الأخبار الزائفة على منصات ميتا، أو من خلال مشتريات "TikTok Shop" الذي يمتلئ بالمعلومات المضللة. فإذا اتخذت هذه الشركات خطوات فعلية هادفة لتغيير كيفية تداول المعلومات المضللة على منصاتها، فقد تعمل ضد مصالحها التجارية.

صُمّمت منصات التواصل الاجتماعي لتظهر الأشياء التي يريد المستخدم التفاعل معها ومشاركتها. كما صُمّمت روبوتات الدردشة المدعمة بالذكاء الاصطناعي لإعطاء الوهم بالمعرفة والبحث. لكن لا يعد أي من هذين النموذجين مثاليًا لتقييم المصداقية، وغالبًا ما يتطلب القيام بذلك الحد من نطاق عمل المنصة على النحو المنشود. إن إبطاء أو تضييق آلية عمل منصة مثل هذه يعني تفاعل أقل، ويسبّب ذلك بتباطؤ في النمو، وهذا يعني أموال أقل.

بدأت العديد من المنصات ببعض جهودها لمواجهة المعلومات المضللة بعد الانتخابات الأميركية عام 2016، ومرة ​​أخرى في بداية جائحة كورونا. ولكن منذ ذلك الحين، شهدنا نوعًا من التراجع في تلك الإجراءات. إذ سرّحت شركة ميتا الموظفين من الفرق المشاركة في الإشراف على المحتوى، ضمن حملة التسريح الشامل في وادي السيليكون عام 2023، وتراجعت عن قواعد "عصر كوفيد". 

لكن مرة أخرى، وفي ظل عدم إتاحة البيانات اللازمة للقياس الفعلي، يبقى من الصعب قياس الجهود التي تبذلها المنصات الرئيسية للحد من انتشار المعلومات المضللة، لكن يبدو الأمر، من المعلومات المتاحة، وكأن المنصات الكبرى تتراجع عن إعطاء الأولوية لمكافحة المعلومات المضللة والزائفة، وأن هناك نوعًا من الإرهاق بشأن الأمر. وهذا لا يعني أن لا أحد يفعل شيئًا.

خريطة شركاء ميتا ضمن برنامج الأطراف الثالثة لتدقيق المعلومات - ميتا
خريطة شركاء ميتا ضمن برنامج الأطراف الثالثة لتدقيق المعلومات - ميتا

إن عملية "التدقيق قبل الانتشار"، التي تعمل من خلالها المنصات بالشراكة مع مؤسسات تدقيق المعلومات، والتي تتضمن التحقق بشكل استباقي من صحة الشائعات والأكاذيب قبل أن تكتسب المزيد من الاهتمام، تعد طريقة فعالة وإن كانت تحتاج المزيد من الانتشار. 

كما أثبت التحقق من المعلومات من خلال التعهيد الجماعي للمستخدمين، كما في حالة "ملاحظات المجتمع" على إكس، فاعليته، إضافة للعلامات المائية على المحتوى المولّد بالذكاء الاصطناعي أو المنتشر عبر وسائل تتبع للحكومات. ويُحسب للمنصات نفسها أنها تواصل تحديث "قواعد المجتمع" خاصتها مع ظهور مشكلات جديدة.

لا شك حول صعوبة ملاحقة المعلومات المضللة، خصوصًا مع تنوع الأدوات والأساليب التي تساعد على انتشارها، لكن تراجع الشركات المالكة والمشغلة لمنصات التواصل الاجتماعي ومضيها قدمًا متجاهلة تلك المعلومات، لا يمنعها من الوصول إلى الجمهور، وبينما تقوم هذه الشركات بتقييم مدى اهتمامها بضبط ومعالجة قدرة منصاتها على نشر الأكاذيب والترويج لها، فإن الأشخاص المستهدفين بهذه الأكاذيب يتعرّضون للأذى كل يوم.

اقرأ/ي أيضًا

الحسابات العربية التي تقود حملات التضليل الكبرى على موقع إكس

أبرز الأساليب الحديثة لحملات التضليل الممنهجة وطرائق كشفها

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة