برزت مسألة إعادة إعمار قطاع غزة كموضوع للتضليل مؤخرًا، بالتزامن مع الدمار الهائل الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية. وقد قدّرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة الإعمار بنحو 40 مليار دولار، مشيرة إلى أن التعافي من الدمار قد يستغرق 80 عامًا.
في هذا السياق، رصد “مسبار” منشورات مضللة استغلت قضية إعادة الإعمار لأهداف قد تكون متنوعة، مثل الإثارة، وكسب التفاعل أو لغايات سياسية.
يرّكز مسبار في هذا التقرير على بعض الأمثلة لاستخدام موضوع إعادة الإعمار كأداة للتحريض على خطاب الكراهية، وتمرير المعلومات المضللة. ويعرض تقرير مسبار مجموعة من المنشورات على منصة “إكس” وفق عينة عشوائية، وبأسلوب البحث باستخدام الكلمات المفتاحية ذات الصلة.
إعادة إعمار غزة كموضوع للتضليل وبث الكراهية
يتداول مستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا منشورات عديدة، تنسب تصريحات مفبركة لقادة حركة حماس وخاصة لرئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، وتزعم هذه المنشورات بأنّ قادة الحركة وعلى رأسهم هنية طلبوا من الدول العربية أموالًا لإعادة إعمار قطاع غزة، مع اقتراب الحرب من نهايتها.
بحث مسبار حول صحة هذه الادعاءات وتبيّن أنها مفبركة، إلا أنه ورغم زيفها، فإنها حظيت بملايين المشاهدات وأعاد الكثيرون مشاركتها. وبالنظر إلى التعليقات يمكن ملاحظة أنها ساهمت في الإثارة وتأجيج مشاعر سلبية بين المستخدمين العرب، فقد جذبت آلاف التعليقات التي تضمنت لغة كراهية وشتائم.
من ناحية أخرى يمكن ملاحظة الكيفية التي يلعب بها أسلوب كتابة وصياغة هذه المنشورات المفبركة، ففي منشور زائف آخر وصل إلى 1.3 مليون شخص، استخدمت لغة تحريضية، ومشحونة عاطفيًا تستهدف إثارة مشاعر قوية مثل الغضب، التحدي، ونسبت تصريحات لهنية كان واضحًا فيها تعمّد الإثارة واستفزاز مشاعر المستخدمين العرب، من خلال تصوير الفلسطينيين كمتسولين للمساعدات، لايردون الجميل.
بالإضافة إلى أنّ أسلوب الصياغة يوحي بتسييس، وتخصيص موضوع إعادة الإعمار، وتصويره كقضية شخصية وسياسية مرتبطة بحركة حماس، بدلًا من طرحه كمسألة مرتبطة بحياة وممتلكات الغزيين كشعب.
السخرية تبقى أداة حاضرة في التضليل
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، رصد مسبار مرارًا استخدام إسرائيل للسخرية كأداة للتضليل والتحريض ضد الفلسطينيين. ومؤخرًا استُخدمت السخرية للتحريض، وتغذية الخطاب المضلل حول إعادة إعمار غزة في منشورات باللغة العربية. بالنظر إلى حجم تفاعل آلاف الأشخاص مع المنشورات من الملاحظ أن السخرية أعطت المعلومات الزائفة في هذا السياق انتشارًا أكبر.
ووفقًا لدليل "الصحافة والأخبار الزائفة والتضليل" لليونسكو، فإن السخرية أو “الباروديا” وبالرغم أنها نوع من الفن، أو النقد، فإنها يمكن أن تولد ارتباكًا لدى الناس لا يستطيعون معه التمييز بين المحتوى الساخر والجّاد، خاصة في عالم يتلقى فيه الأفراد معلومات كثيفة من قنوات متعددة.
فقد يؤدي على سبيل المثال استخدام السخرية في خبر أو تعليق كاذب إلى تجميله، وجذب مزيد من المتابعين لصاحب المحتوى، أو قد يستعمل الخبر المُعاد تشكيله بالسخرية، لأهداف تحريضية وسياسية، كالتقليل من الإحساس بالمسؤولية لدى الرأي العام، وفي حالة غزة فإن ذلك قد يؤثر على مدى مساندة الناس لمن دُمرت ممتلكاتهم ومدنهم، أو قد يعزز السرديات المشوّهة والكاذبة.
إلقاء اللوم على الفلسطينيين
إلقاء اللوم على الضحايا لمعاناتهم، أسلوب تضليلي شائع يشوّه الحقائق، ويبسط الأحداث المعقدة تبسيطًا مخلًا، ويصور الأزمات كنتيجة لأخطاء الضحايا، بمعزل عن أسبابها الحقيقية والمتشابكة.
لاحظ مسبار من خلال البحث العشوائي على منصة إكس ومتابعة بعض التعليقات انتشار ظاهرة لوم الفلسطينيين، أو حركة حماس وتحميلهم مسؤولية دمار غزة الأمر الذي قد يسهم في الترويج لسرديات تبرر الوضع القائم، وتخفف شعور المراقبين بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية، تجاه مشاهد الدمار الذي خلفته إسرائيل.
وتشير التجارب إلى أن الترويج المستمر لظاهرة لوم الضحايا، يمكن أن يجعلها تتجذر بعمق في الآليات النفسية والاجتماعية عند الأفراد، إذ قد تمنحهم شعورًا بالارتياح والإعفاء من المسؤولية.
في كتاب "أخبار سيئة من إسرائيل" لجريج فيلو ومايك بيري، يفصل الكاتبان كيف كان لبعض وسائل الإعلام دور كبير في إلقاء اللوم على الفلسطينيين، موضحين أن لهذا الأمر “تأثير كبير” على كيفية تذكر الجمهور وفهمهم للأحداث. فعندما يصوّر الفلسطينيون باستمرار على أنهم الطرف العدواني والمتوحش، والمسؤول عن الدمار في مقابل إسرائيل التي تُصور كطرف مدافع، فإن ذلك يعتبر نوع من التضليل، ويعتبر شرعنة لأفعال إسرائيل من قبل وسائل الإعلام.
كما يمكن لإلقاء اللوم على الضحايا أن يعمّق الفجوات والانقسامات الاجتماعية والعرقية. فعندما تصور المنشورات التحريضية والمضللة الشعب الفلسطيني بأنه يتلقى مساعدة أفضل من الشعوب الأخرى، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الشعور بالظلم، وزيادة التوترات الاجتماعية لدى شرائح معيّنة من الناس. ويروّج لسرديات عنصرية ضد الفلسطينيين، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الدول المانحة.
خطاب الكراهية والمحتوى المضلل ضد الفلسطينيين في تصاعد
يظل خطاب الكراهية المتعلق بمسألة إعادة إعمار قطاع غزة واحدًا من الأشكال العديدة من الأساليب المضللة، التي تؤجج خطاب الكراهية المرافق للحرب على غزة، والذي يشهد تصاعدًا مستمرًا.
في 26 فبراير/شباط 2024 أصدر المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي تقريرًا جديدًا بعنوان "مؤشر العنصرية والتحريض لعام 2023"، يسلّط الضوء على خطورة الوضع الرقمي والزيادة المقلقة في خطاب الكراهية، والتحريض ضد الفلسطينيين والمدافعين عن حقوقهم.
وكشفت نتائج النصف الأول من عام 2023 عن انتشار واسع لخطاب الكراهية، ما انعكس على شكل أحداث عنف حقيقية، وازداد الوضع سوءًا في النصف الثاني من العام نفسه، مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ كان يسجل المركز 23 حالة لمحتوى رقمي عنيف أو كراهية ضد الفلسطينيين في كل دقيقة.
أما "مؤشر العنف" التابع للمرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية، وهو نموذج لغوي قائم على الذكاء الاصطناعي يرصد خطاب الكراهية بالعبرية ضد الفلسطينيين على منصات التواصل الاجتماعي. سجل أكثر من 10 ملايين حالة محتوى ضار باللغة العبرية في عام 2023، معظمها على منصة إكس. كما كشف التقرير عن 4400 انتهاك للحقوق الرقمية، منها 2749 خطاب كراهية وتحريض على العنف.
اقرأ/ي أيضًا
ذا غارديان: رجل أعمال يقف وراء شبكة وجهت الرأي العام لصالح إسرائيل خلال الحرب على غزة
الحسابات العربية التي تقود حملات التضليل الكبرى على موقع إكس