نشر موقع سيحا ميكوميت الإسرائيلي، تقريرًا في الثامن من يونيو/حزيران الفائت، وثق فيه شهادات لستة جنود إسرائيليين شاركوا في الحرب البرية على قطاع غزة. أكد الجنود أنهم كانوا يطلقون النار متى يشاؤون ويقتلون المدنيين من أجل التسلية، ويحرقون المنازل، ويتركون الجثث في الشوارع، ويعتبرون كل رجل بين 16 و50 سنة "إرهابيًا".
يأتي هذا التقرير بالتزامن مع دخول الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة شهرها العاشر، والتي خلفت أكثر من 38 ألف ضحية، أغلبهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى آلاف الجرحى والأسرى.
جنود إسرائيليون: نطلق النار على الجميع حتى النساء والأطفال
وقال الجنود الستّة (الذين رفضوا الكشف عن هويتهم باستثناء جنديّ وحيد)، إنّ إطلاق النار على الجميع في غزة، يحدث بموافقة قادتهم في الجيش وإنّه تم السماح لهم بإطلاق النار على الفلسطينيين دون قيود تقريبًا، بما في ذلك المدنيون.
وأشار الموقع إلى أنّ شهادات الجنود الذين تم تسريحهم من الخدمة الفعلية في غزة في الأشهر الأخيرة، تتوافق مع مقاطع فيديو صادمة بثتها قناة الجزيرة مطلع يونيو الفائت، حيث ظهر جنود إسرائيليون وهم يطلقون النار على عدد من الفلسطينيين الذين كانوا يسيرون بالقرب من الطريق الساحلي في قطاع غزة، واصفة ذلك بـ "الإعدامات الميدانية".
وأوضح الموقع أنّ ذلك حدث في ثلاث مناسبات منفصلة، وبدا أن الفلسطينيين كانوا غير مسلحين ولم يشكلوا تهديدًا وشيكًا للجنود. وأكد أن هذه اللقطات تعتبر نادرة نظرًا للقيود الشديدة المفروضة على الصحفيين في المنطقة المحاصرة والخطر المستمر على حياتهم.
قال الجنود في شهاداتهم إنه لا توجد سياسة مُنظمة لإطلاق النار في غزة، وأنه يتم في كثير من الأحيان حتى دون أهداف محددة، بما في ذلك إطلاق النار الذي يبدو في ظاهره غير رسمي، وهذا الإذن يُعطى تقريبًا لإطلاق النار بشكل عشوائي، حتى على المباني.
وقال جنديّ خدم بشكل منتظم في قطاع غزة لعدة أشهر، "كانت هناك حرية كاملة في العمل، إذا كان هناك شعور بالتهديد، فلا داعي للشرح - نطلق النار"، أي أن إطلاق النار يتم دون تفريق بين مدنيين ومسلحين.
وأضاف جنديّ آخر "إذا اقترب شخص ما، يجوز إطلاق النار عليه في مركز الكتلة (الجسم) وليس في الهواء، ويجوز إطلاق النار على الجميع، فتاة أو امرأة عجوز".
وأكد أنّ "كل رجل يتراوح عمره بين 16 و50 عامًا مشتبه به بالإرهاب ولا يُسمح له بالتجول، وأنّ أي شخص بالخارج يُعتبر مشتبهًا به، وإذا كان هناك رجل يقف عند النافذة، فسيتم إطلاق النار عليه".
وأشار الجندي، إلى أنّه حتى بعد أن أطلق الجنود النار وقتلوا ثلاث رهائن إسرائيليين في الشجاعية في ديسمبر/كانون الأول الفائت، رغم أنهم كانوا يرفعون الراية البيضاء ولم يشكلوا تهديدًا للقوات، فإن تعليمات إطلاق النار لم تتغير.
وقد شهد هذا الجندي على جريمة وقعت في نوفمبر 2023، لقتل جنود من جيش الاحتلال عشرات المدنيين عند مدخل مدرسة في منطقة حي الزيتون بمدينة غزة كانت تُستخدم كملجأ للنازحين الفلسطينيين. وأمر الجيش حينها النازحين بالخروج من المدرسة والتوجه نحو اليسار، ولكن عندما بدأت المعركة هرب البعض منهم إلى اليمين، وكان بينهم أطفال. وقال الجندي: "لقد قُتل كل من ذهب نحو اليمين، كانت هناك كومة من الجثث".
الجيش الإسرائيلي يُطلق النار في غزة للتسلية
من جهته، قال يوفال غرين (26 عامًا) وهو جندي إسرائيلي خدم في الاحتياط في اللواء 55 من المظليين في غزة خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول الفائت، إنه لم تكن هناك قيود على الذخيرة وإنّ الجنود كانوا يطلقون النار بحرية للتقليل من الملل فقط.
كما صرح جنديّ احتياط آخر دخل إلى شمال قطاع غزة عشرات المرات منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، بأن الجنود كانوا يطلقون النار كثيرًا حتى دون سبب وأنّ أي شخص يريد إطلاق النار، مهما كان السبب، يطلقها، ثم يبلغ عن أن الأمر طبيعي"، مُضيفًا في شهادته أنّ الهدف من إطلاق النار هو إيقاظ المنطقة أو إخراج الناس من مخابئهم أو إظهار الحضور، وأنّ إطلاق النار العشوائي يأتي من الأسفل والأعلى: سفن ودبابات وطائرات، وأيضًا من الأسلحة الصغيرة بشكل رئيسي.
وروى الجندي في شهادته أنّ إطلاق النار بصفة عشوائية هو ترجمة رمزية، "أشعر بالملل، لذا أطلق النار"، مُشيرًا إلى أنّ الجنود الذين وصلوا إلى "المدافعين" -وهي مجمعات مؤقتة يقيم فيها الجيش في غزة - كانوا يطلبون الصعود إلى المواقع لإطلاق النار.
كما كشف الجندي أنه تم إطلاق النار على عائلة تتكون من رجل بالغ وزوجته وطفليه، مؤكدًا في حديثه أنه شعر بالاشمئزاز من نفسه.
جثث الفلسطينيين تأكلها الكلاب والقطط
ووفقًا للتقرير ذاته، شهد الجنود أن العديد من جثث الفلسطينيين الذين يرتدون ملابس مدنية ظلت متناثرة في المناطق المفتوحة وعلى الطرقات، وأن المنطقة بأكملها كانت مليئة بالجثث.
وقال أحد الجنود في شهادته إنه رأى في كثير من الأحيان كلابًا تتجول مع أجزاء من الجثث المتعفنة، لكنه أشار في ذات السياق إلى أن الجنود الإسرائيليين يقومون بإخفاء الجثث قبل وصول القوافل الإنسانية.
وأشار إلى أن عدد القتلى في صفوف الفلسطينيين أكبر مما ورد في التقارير، مؤكدًا أنه كان يخدم في منطقة صغيرة وكان يقتل كل يوم مدنيين على الأقل، معظمهم لا يحملون السلاح.
أما الجندي يوفال غرين، فقال في شهادته إنه عندما وصل إلى خان يونس رأى كتلة غير واضحة خارج المنزل وأدرك بعد ذلك أنها جثة، وأنّ القطط كانت تأكل الجثث. كما أفاد مسؤول مدني زار شمالي قطاع غزة بوجود جثث متناثرة في المنطقة، وقال "بالقرب من مجمع الجيش بين شمال قطاع غزة وجنوبه شاهدنا نحو عشر جثث مصابة بطلقات في الرأس ربما برصاص قناص، كانت تحاول العودة إلى شمال قطاع غزة". مضيفًا "كانت الجثث في حالة من الاضمحلال، وكان حولها كلاب وقطط".
الجيش الإسرائيلي يسرق منازل الفلسطينيين ويحرقها
اعتبر اثنان من الجنود الذين قدموا شهادتهم لموقع سيحا ميكوميت أن حرق منازل الفلسطينيين بعد سرقة محتوياتها أصبحت سياسة لدى الجنود الإسرائيليين، منذ بداية الحرب على قطاع غزة.
وقال يوفال غرين، إنّ حرق المنازل في مدينة خان يونس كان منظمًا، مؤكدًا أن الجنود أثناء انتقالهم من مكان إلى آخر فإن عليهم حرق المنزل الذي كانوا يتحصنون داخله.
وأضاف "نحن في المنازل ليس لأنها تابعة لحماس، بل لأنها تخدمنا عمليًّا، هذا منزل لعائلتين أو ثلاث، وتدميره يعني أنهم سيصبحون بلا مأوى".
في حين كشف جندي آخر، أنّ حرق المنازل كان روتينيًا، فبعد أن يغادر الجنود المنزل الذي وجدوا فيه مخبأً لهم يقومون بحرقه، ووصف ذلك بالقول "قبل أن يغادروا، يحرقون المنزل، كل المنزل".
وأوضح أنه قبل رحيل الجنود يقومون بأخذ كل الفرش والأثاث والبطانيات مع بعض البنزين أو اسطوانات الغاز ويضرمون النار في المنزل الذي يحترق بسهولة، مشيرًا إلى أنّ "حرق المنازل مدعوم من قيادات الجيش وذلك حتى لا يتمكن الفلسطينيون من العودة".
جندي إسرائيلي: الدمار الذي خلفه الجيش في غزة لا يُمكن تصوره
ويقول يوفال غرين إن الدمار الذي خلفه الجيش في غزة "لا يمكن تصوره"، وإنه في بداية القتال كانوا يتقدمون من منزل إلى منزل على مسافة 50 مترًا من بعضهم البعض.
وأضاف "كل يوم يتم تدمير المنازل، لن أنسى أبدًا كيف كان الحي جميلًا حقًا ثم تحول إلى رمال، "لقد دمرنا كل ما أردنا تدميره، لم يكن هذا بدافع الرغبة في التدمير، بل بسبب اللامبالاة الكاملة تجاه كل ما يخص الفلسطينيين".
وأكد غرين أنّ الجنود كانوا يسرقون محتويات المنازل ويتعاملون معها على أنها متاجر للهدايا التذكارية، مضيفًا، "في النهاية تموت من الملل وتنتظر هناك لعدة أيام، ترسم أشياءً بذيئة على الجدران، تلعب بالملابس، نستخدم كل ما لدينا، مراتب، طعام، وهناك من وجد ورقة نقود بمئة شيكل فأخذها".
شهادة الجنود تكذب الرواية الإسرائيلية حول حماية المدنيين في غزة
جاءت شهادات الجنود الستّة متناقضة تمامًا مع الرواية الإسرائيلية التي يقدمها قادة الجيش وأعضاء الحكومة، حيث يصرح مسؤولون بارزون باستمرار أنّهم يبذلون جهودًا لحماية المدنيين في قطاع غزة وتوفير ممرات آمنة لهم أثناء نزوحهم.
وفي دفاعها عن نفسها أمام محكمة العدل الدولية، أصرت إسرائيل أنها تبذل كل ما في وسعها لحماية المدنيين في غزة وتنفي اتهامات بالإبادة الجماعية، وهو ما يتناقض مع شهادات الجنود الستّة.
واعتبرت إسرائيل، حينها، أنّ هجومها على قطاع غزة يأتي في إطار دفاعها عن نفسها ضد مقاتلي القسام. كما نددت باستمرار باتهامها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العملية العسكرية التي بدأتها في قطاع غزة قبل 10 أشهرٍ.
غير أنّ اعترافات جنودها بالقتل العمد ونهب الممتلكات وتدمير المنازل وتجريف الشوارع يتناقض مع رواياتها التي تسعى من خلالها لتبرئة نفسها من ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية.
وعرف ميثاق محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية عام 1945 حسب المادة 6 مصطلح "جريمة الحرب"، بأنها انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها، بما في ذلك: القتل أو المعاملة السيئة أو الترحيل على شكل عمالة ورقيق أو لأي غرض آخر للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، والقتل أو المعاملة السيئة لأسرى الحرب أو الأشخاص في عرض البحار، وقتل الرهائن وسلب الممتلكات العامة أو الخاصة، وتدمير المدن أو القرى، والتدمير الذي لا تبرره الضرورات العسكرية.
تقارير حقوقية: إسرائيل ترتكب انتهاكات ضدّ الأطفال في فلسطين وتقتل المدنيين عمدًا
وعلى الرغم من أنّ شهادات الجنود الستة تكذب بشكل واضح راوية إسرائيل فإنها تدعم تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي تتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب انتهاكات وجرائم حرب ضدّ المدنيين والأطفال في قطاع غزة.
وفي تقرير لها بتاريخ 23 يونيو الفائت، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، إنّ الأمين العام لـ "الأمم المتحدة" أضاف للمرة الأولى القوات المسلحة الإسرائيلية إلى "قائمة العار"، التي تضم الأطراف المتحاربة التي ترتكب انتهاكات جسيمة ضد الأطفال في النزاعات المسلحة.
ووفق التقرير ذاته، نسبت الأمم المتحدة أكثر من 8,700 ضحية من الأطفال إلى القوات الإسرائيلية بين 2015 و2022. لكن في 2023، يفترض أن حجم الانتهاكات كان أكبر من أن يتجاهله الأمين العام.
وبتاريخ 12 يونيو 2023، حمّل تحقيق أجرته الأمم المتحدة، السلطات الإسرائيلية، مسؤولية ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات أخرى جسيمة للقانون الدولي، تم ارتكابها على نطاق واسع خلال عملياتها وهجماتها العسكرية في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
وأكد التقرير أنّ السلطات الإسرائيلية مسؤولة عن جرائم حرب مثل التجويع كوسيلة حرب أو القتل العمد وتوجيه الهجمات بشكل متعمد ضد المدنيين والأعيان المدنية والنقل القسري والعنف الجنسي والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو القاسية والاحتجاز التعسفي والاعتداء على كرامة الشخص.
وخلصت اللجنة المشرفة على التحقيق، إلى أنه تم استهداف رجال وصبيان فلسطينيين عبر جرائم ضد الإنسانية مثل الإبادة والاضطهاد الجنسي، بالإضافة إلى جرائم القتل والنقل القسري والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو القاسية.
وأشارت اللجنة إلى أنّ الأعداد الهائلة للضحايا المدنيين والدمار واسع النطاق للبنى التحتية المدنية الأساسية في غزة هي نتائج حتمية للاستراتيجية التي تم اعتمادها بنية إحداث أكبر قدر من الدمار مع إهمال مبادئ التمييز والحيطة والتناسب.
كما اعتبرت أنّ الاستخدام المتعمد للأسلحة الثقيلة ذات القدرات التدميرية العالية في المناطق السكنية المكتظة يشكّل هجومًا متعمدًا ومباشرًا على السكان المدنيين.
اقرأ/ي أيضًا:
توظيف إعادة إعمار غزة كأداة لنشر خطاب الكراهية والتضليل ضد الفلسطينيين
إسرائيل تستغل أنّ بوستر "كل العيون على رفح" مولد بالذكاء الاصطناعي لتشكك بمأساة الفلسطينيين