تسبب خلل برمجي في تحديث أجرته شركة كراودسترايك (CrowdStrike) الأميركية للأمن السيبراني في تعطيل ملايين الأجهزة العاملة بنظام ويندوز، وأدى الخلل إلى تعطل عمل العديد من شركات الطيران والبنوك ووسائل الإعلام ومكاتب المؤسسات حول العالم لعدة ساعات، قبل تحديد الخلل والبدء في إصلاحه تدريجيًا.
وحاز هذا العطل على انتباه العالم، نظرًا لغموضه في الساعات الأولى، وعدم تحديد طبيعته أو أسبابه، وحتى عدم معرفة المدة التي يحتاجها لإصلاحه.
إلا أن غياب المعلومات الواضحة خلق مناخًا خصبًا لانتشار العديد من المعلومات المضللة والأخبار الزائفة حول طبيعة الخلل والمتسببين فيه والتبعات والخسائر الناتجة عنه، إذ نشر حساب فنسنت فليبوستير الموثق بالعلامة الزرقاء على منصة إكس بعد ساعات من وقوع العطل العالمي، منشورًا قال فيه "اليوم الأول في كراودسترايك أجريت تحديثًا بسيطًا وأخذت استراحة بعد الظهر"، وأرفقه بصورة يظهر فيها خلف شعار شركة كراودسترايك، مدعيًا أنه موظف في الشركة.
وحاز الادعاء على عشرات الملايين من المشاهدات والتفاعل، كما نشر الحساب ذاته بعد ساعتين منشورًا آخر قال فيه "مطرود، هذا غير عادل تمامًا"، ثم نشر مقطع فيديو مصور يدعي فيه صاحب الحساب أنه موظف في الشركة، وأنه في يومه الأول قام بتحديث الكود البرمجي مما تسبب في الخلل العالمي وكيف تم طرده بعد ذلك.
ووجد مسبار أن عشرات الحسابات على موقع إكس نشرت مقطع الفيديو والصورة، مدعية أنها تعود للشخص الذي تسبب بالخلل العالمي والمسؤول عنه، وأشارت هذه الحسابات إلى تفاصيل الخلل وكيف تم طرد الموظف فنسنت فليبوستير، كما ادعى على حسابه في موقع إكس.
إلا أن فنسنت فليبوستير هو مدرّب ومختص في نشر الوعي حول خطورة الأخبار المضللة والزائفة، وليس تقنيًا في شركة كراودسترايك وهو ما يذكره بوضوح في النبذة التعريفية على حسابه في موقع إكس.
وبعد انتشار الادعاء بشكل واسع، نشر المدرب فنسنت فليبوستير توضيحًا لحقيقة الادعاء وأكد أن القصة مختلقة ولا أصل لها، وأنه تعمد نشرها بعد حدوث العطل العالمي في أنظمة مايكروسوفت.
فنسنت فليبوستير يوضح دوافعه وراء ادعائه بالتسبب في الخلل العالمي بأنظمة مايكروسوفت
تواصل مسبار مع فنسنت فليبوستير، المتسبب المزعوم في شلل ملايين الأجهزة حول العالم، والذي أكد أنه يعمل على تثقيف الناس حول المعلومات المضللة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وأوضح أنه يستخدم أسلوب السخرية كأداة لإشراك الجماهير وجعل المواضيع المعقدة أكثر وضوحًا وسهولة للفهم.
وأشار فليبوستير إلى أنه ينشئ محتوى ساخرًا يحاكي أسلوب وشكل الأخبار الحقيقية لتسليط الضوء على سخافة بعض الادعاءات وتشجيع الناس على التفكير النقدي عند تعاملهم مع الأخبار.
وأضاف أن معالجة مسألة المعلومات المضللة والزائفة بأسلوب ساخر يساعد الناس على تقبل النقاش حول خطورة هذه المعلومات والتفكير فيها بشكل خفيف لكن مؤثر في الوقت نفسه.
وأوضح فليبوستير أنه بدأ عمله في هذا المجال منذ 10 سنوات مع موقع ويب ساخر يسمى "Nordpresse"، وإلى جانب ذلك، يعمل على تقديم دورات تعليمية للأطفال والمراهقين في الجامعات، وللشركات، والحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والمدرسين حول الأخبار الزائفة والتحقق من المعلومات على الإنترنت.
وبخصوص الأسباب التي دفعته إلى اختلاق قصة تسببه في أزمة كراودسترايك، قال فليبوستير لمسبار إن الناس بحاجة دائمًا إلى جاني، وهذا ما ألهمه لاختلاق هذه القصة، مُشيرًا إلى أنه من الأسهل على الناس استيعاب فكرة أن "هذا هو الرجل الغبي" المتسبب في المشكلة، أكثر من التفسير بأن “هذه مشكلة كبيرة تتعلق بسلسلة كاملة من الأوامر التي فشلت لأسباب معينة”.
وتابع بأنه اعتقد أن الأمر مضحك في البداية، ولكنه لم يتخيل أبدًا أنه سيحقق هذا الانتشار.
كيف جعل فنسنت فليبوستير قصته المزيفة قابلة للتصديق؟
في حديثه عن الأساليب والتقنيات التي اعتمدها لجعل قصته المزيفة تبدو قابلة للتصديق، أوضح فنسنت فليبوستير أن الناس يميلون إلى البحث عن الجاني في مثل هذه الحوادث، وفي هذا الحادث، لم يتم تحديد الجاني بعد، لذا قدم قصته التي أحضرت الجاني للجمهور بشكل مبسط. مضيفًا بأن الجاني في القصة يظهر كشخص غبي ويفتخر بغبائه، إذ ارتكب الكارثة في يومه الأول ثم أخذ إجازة بعد الظهر، مما يضفي عنصر الفكاهة للقصة ويزيد من انتشارها بين الناس.
وأشار فليبوستير إلى أن حاجة الناس إلى معلومات جديدة وغير مكررة تجعل القصة المزيفة أكثر جاذبية، خصوصًا إذا تم تقديمها بلغة بسيطة وسهلة الفهم مثل اللغة الإنجليزية، وهو ما يجعل من مشاركة القصة عالميًا أمرًا سهلاً ومفهومًا لدى شريحة واسعة من الناس.
وأضاف أن استخدامه لعلامة النصر في الصورة، رغم أنها تعكس الغباء في هذه الحالة، قد شغلت الناس عن ملاحظة عيوب واضحة في الصورة مثل التشوهات في قص الرأس، وتابع قائلاً إن الناس يميلون إلى تصديق ما هو مضحك، مشيرًا إلى عبارة "أحببت المعلومات، لذا فهي صحيحة".
وأوضح فليبوستير أن من أبرز الأسباب التي جعلت القصة المزيفة تنتشر هو أن بعض الأشخاص يشاركون هذه المعلومات بشكل ساخر وهم يعلمون أنها مزحة، ولكن مع مرور الوقت وإجراء بعض التعديلات، قد تفقد هذه المعلومات طابع السخرية وتتحول إلى حقيقة في نظر البعض.
وفي السياق ذاته، أوضح مسبار في تقرير سابق جملة من الأسباب الأخرى التي تجعل الناس تميل وتصدق الأخبار المضللة التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
تفاعل المستخدمين مع القصص المزيفة
وفي تعليقه على تفاعل الناس مع قصته المزيفة، قال فنسنت فليبوستير إنه وجد ثلاث فئات من الأشخاص الذين تفاعلوا مع قصته: الفئة الأولى هي من يعرفون أنها مزحة ويشاركونها لأنها مضحكة، والفئة الثانية هي من يشاركونها دون اهتمام بصحة القصة، أما الفئة الثالثة فهي من صدقوا القصة حقًا.
كمثال على الفئة التي صدقت القصص الزائفة التي ينشرها، أوضح فليبوستير أنه تلقى تهديدًا بالقتل من رجل مكسيكي قال له إنه فقد رواية كان يكتبها لمدة ثمانية أعوام بسببه.
وأضاف فليبوستير "ما يفاجئني باستمرار هو حقيقة أن الأمر يستغرق 10 ثوانٍ للنقر على ملفي الشخصي وموقع الويب الخاص بي لرؤية أنني أعمل على الأخبار المزيفة، وقلة قليلة من الناس تفعل ذلك".
أما بخصوص الدروس المستخلصة من تجربته في ترويج قصة مزيفة حول تسببه في أزمة كراودسترايك، قال فنسنت فليبوستير إنه من الضروري تعليم الناس كيفية تقييم المصادر بشكل نقدي، وأهمية التعرف على التحيزات والتحقق من المعلومات المتداولة بشكل مستقل، بما في ذلك فهم الفرق بين المصادر الموثوقة والمصادر التي قد تنشر معلومات مضللة.
وتابع فليبوستير أنه من خلال توفير الأدوات والمعرفة، يمكن مساعدة الناس على أن يصبحوا مستهلكين واعين للمعلومات، قادرين على التمييز بين الحقائق الموثوقة والقصص المزيفة.
كما نصح فنسنت الناس ومستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بضرورة امتلاك معرفة جيدة بأساليب القراءة والكتابة الرقمية، مشيرًا إلى أنه إذا فهم المستخدمون الأداة أو المنصة التي يستخدمونها، سيكون بإمكانهم التحقق من صحة المعلومات بشكل أفضل.
تأثير المعلومات المضللة على التفاعل وانتشار الحسابات
ولقياس تأثير المعلومات المضللة والقصص المزيفة على زيادة التفاعل على المنشورات وانتشار الحسابات، قام مسبار بتحليل حساب فنسنت فليبوستير على منصة إكس قبل وبعد اختلاقه قصة تسببه في الخلل الذي أصاب ملايين الأجهزة العاملة بنظام ويندوز حول العالم بالشلل.
وجد التحليل ارتفاع عدد متابعي حساب فنسنت فليبوستير على منصة إكس بنسبة تقارب 23 في المئة خلال الأيام الأربعة الأولى من نشر القصة المزيفة، حيث كان عدد متابعي الحساب يوم 19 يوليو/تموز الجاري 65,129 متابعًا، وارتفع إلى 80,088 متابعًا خلال أربعة أيام من نشر القصة، وذلك رغم محافظة فليبوستير على النسق العادي لعدد التدوينات التي ينشرها يوميًا على حسابه.
اقرأ/ي أيضًا:
وفق بي بي سي: فلسطينيون يتهمون مايكروسوفت بحظرهم لأسباب قد تكون سياسية
تقرير لمايكروسوفت يحذر من إمكانية تأثير الصين في انتخابات دول عن طريق الذكاء الاصطناعي