مع تصاعد وتيرة انتشار الأخبار الزائفة وتأثيرها على الفضاء العمومي العربي، في ظل انتشار فايروس كورونا (كوفيد-19)، بدا الحديث جليًّا عن ضرورة إصدار تشريعات تُلائم الوضع الجديد للحدّ من تسرّب الأكاذيب.
لكن هذه المشاريع اصطدمت بتخوّف نُشطاء وصحفيين من فخ الحد من حرية التعبير تحت غطاء قانوني، تتحكم فيه السلطة.
وهو ما دفع المنظمات الدولية والإقليمية إلى الاحتجاج على محاولات التدجين وتكميم الأفواه بتعلّة الوضع الاستثنائي، واستخدام سلاح القانون للردع.
وقد حذّرت مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، من إمكانية استغلال الحكومات لقوانين الطوارئ التي فُرضت، مع انتشار فايروس كورونا المستجدّ، للتضييق على المعارضة. ودعت إلى أن تكون الاستجابة للوباء مسنودة بحقائق علمية بدل أن تكون مدفوعة بالواقع السياسيّ أو الاقتصاديّ.
وأدان رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين يونس مجاهد، محاولة بعض الحكومات استغلال الوضع الصحي لتمرير قوانين تخالف الاتفاقيات الدولية وتستغل الأزمة لزيادة استبدادها، وتعزيز أنظمة مراقبة المواطنين أو سجن الصحفيين.
ولعلّ أبرز هذه التشريعات، مشروع قانون الشبكات الاجتماعية عدد 20.22 في المغرب، الذي أثار جدلاً كبيراً وانتقادات واسعة من قبل النقابة الوطنية للصحفيين في المملكة.
واتهمت المعارضة الحكومة، باستغلال الفترة الحساسة لتمرير قانونٍ، بهدف الحدّ من حريّة مستخدمي منصّات التواصل الاجتماعي.
وقد ضمّ مشروع القانون ثلاثة فصولٍ تقضي بتجريم الدعوة إلى مقاطعة المنتوجات ونشر وترويج الأخبار الزائفة، وينصّ على تسليط عقوبات ماليةٍ وسجنيّةٍ على مرتكبيها.
مشروع اعتبره الاتحاد الدولي للصحفيين مخالفاً لجميع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير التي صادق عليها المغرب وطالب بسحبه.
واضطر الوزير إلى تعليقه حتى انتهاء فترة الطوارئ، لإعادة طرحه مرة أخرى على أنظار الأطراف المتداخلة في الموضوع.
في تونس، عبّرت نقابة الصحفيين التونسيين عن احتجاجها تجاه ممارسات السلطة، التي تهدف إلى إخضاع القطاع، وفق رأيها، رغم ما حققه من خطوات إيجابية. خطوات تبقى متعثرة أمام ضعف الإمكانيات المادية للصحفيين وغياب ظروف ملائمة للعمل المهنيّ.
خلال شهر مارس/آذار 2020، طرح مجموعة من النواب التونسيين مشروع قانون لزجر الثلب (الحدّ من الذم والقدح) على مواقع التواصل الاجتماعيّ.
وقد برر النواب ذلك بـ"أخلقة الحياة السياسية والاجتماعية"، و"حماية الديمقراطية الناشئة من الأخبار المكذوبة عبر وسائط التواصل الاجتماعي".
ويتعلّق المشروع بتنقيح الفصلين 245 و247 من المجلة الجزائية حول الجرائم الإلكترونية، والتنصيص على عقوباتٍ سجنيّةٍ وماليةٍ لكل من ينشر أخباراً زائفة، إضافة إلى التنصيص على عقوباتٍ صارمةٍ لقضايا الثلب على وسائل التواصل الاجتماعي.
نقابة الصحفيين التونسيين، استنكرت محاولات ضرب حرية التعبير في تونس بقوانين زجرية، تتعارض مع مقتضيات الدستور والمراسيم المنظمة للقطاع (115 و116) عوض البحث عن مقاربة شاملة.
ودعت في تقريرها السنوي لحرية الصحافة، إلى ضرورة الالتزام بوضع تشريعاتٍ ضامنة لحرية الرأي والتعبير والصحافة الحرة والمستقلة، ودعم منظومة التعديل والتعديل الذاتي لضمان استقلالية هذه المؤسسات.
الوضع في المغرب وتونس، لا يختلف عن الواقع الجزائري، إذ صادق النواب، يوم 22 أبريل/نيسان 2020، على تعديلات في قانون العقوبات تنصّ على تجريم نشر وترويج أخبار كاذبة تهدف إلى المساس بالنظام والأمن العموميين، مع ما تشهده البلاد من انتشار لفايروس كورونا المستجدّ.
ويُعاقب مرتكب "الجريمة" بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات، على أن تضاعف العقوبة في حالة العود.
يأتي ذلك رغم رفض حقوقيين ونُشطاء للمشروع الذي اعتبروه خطوة جديدة للحدّ من الحريات في البلاد.
قوانين شغلت الرأي العام المغاربيّ في ذروة أزمةٍ صحيةٍ تعصف بدولها، وإرادةٍ سياسيةٍ تختفي وراء محاولة حماية النظام من الأخبار الكاذبة.
قوانين تسدّ فراغاً تشريعياً عجزت المنظمات الوطنية عن ملئه بسبب غياب رؤية واضحة وقادرة على الارتقاء بالقطاع الإعلامي وإرادةٍ سياسيةٍ لدعمه.
المصادر
الاتحاد الدولي لصحفيين في الشرق الأوسط
النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين