تتفق تعريفات الأخبار الكاذبة في أجزاء منها على أنها صناعة قائمة على الترويج للدعاية والتسلية، وصنع الأخبار المضللة بهدف مناقشة مسألة تخص الرأي العام، وإثارة العواطف وتكوين المواقف تجاه حادثة ما.
يطمس المحتوى الكاذب أو المضلّل الخطوط بين الصدق والكذب، بطريقة يصعب الكشف فيها عن صدق الخبر إلا بعد التدقيق والرجوع إلى منبع الخبر والمعنيّين به للتحقق؛ لا سيّما أنّنا نشهد اليوم موجة كبرى من الأخبار الكاذبة والمعلومات المشوِّشة. يمكن أن نتطرق في هذا السياق إلى فكرة مفادها أنّ الأخبار الكاذبة ليست مجرد كلمات مرصوفة للضحك وتسلية الجمهور، بقدر ما تُعدّ محتوىً يتمّ ترويجه وفق هندسة سيكولوجيّة، الهدف منه توجيه الرأي العام وافتعال العواطف لدى الفئات المستهدفة بما يضمن استدامة التحكم بأفكارها وتوجيهها، وفق خوارزميات معينة بفعل آخر ما توصلت إليه "الإنسانيات الرقمية" من نتائج دراسات حول مستخدمي شبكات الإنترنت.
تدرس الإنسانيات الرقميّة طرائق تكوين عواطف المستخدمين ومشاعرهم، من خلال رصد التفاعل مع منشورات مستخدمين آخرين على مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال مشاركتهم منشورات أو روابط صور ومقاطع فيديو ومقالات منشورة على مواقع إلكترونية. من هنا يأتي دور تحليل البيانات المتعلقة بالمستخدمين ورصد اهتماماتهم لمعرفة توجهاتهم ودراسة السيكولوجية الخاصة بكل شبكة معينة من المستخدمين.
من وجهة نظر الإنسانيات الرقمية، فإن الأخبار الكاذبة تعتمد في جزء كبير منها على اقتصاد العواطف؛ أي إنّ ما يهمّ بالنسبة لمروّجي التلفيق والتضليل هو كيفية الاستفادة من عواطف المستخدمين/المتابعين في لفت الانتباه؛ بُغية إعداد نموذج بروبغندا من شأنه توجيه الرأي العام نحو هدف معين. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ عواطف المتابعين مهمة في عملية توليد الأخبار الكاذبة من وجهة نظر اقتصادية بحتة، عندما تعتمد الشركات على دراسة بيانات المستخدمين وتفاعلاتهم مع أيٍّ من الأخبار التي تنتشر، في سبيل عرض الإعلانات بما يتلاءم مع ذائقة كل مستخدم أو كل جماعة مستخدمين.
تتحول هذه العواطف إلى رأسمال تستثمره الشركات في صنع الإعلانات وكسب موارد مالية؛ في إشارة إلى الحوافز الاقتصادية والسياسية لإنتاج الأخبار المزيفة والمضللة ضمن آليّة عمل تدرس ما يسميه باحثو الإنسانيات الرقمية "شعور الصديق"، أو السلوك العاطفي الجماعي داخل الشبكات الاجتماعية.
طوّرت شركة فيسبوك عام 2010، خوارزميات جديدة قادرة على فرز المستخدمين ضمن مجموعات بحسب العواطف والاهتمامات التي يبدونها تجاه أي محتوى يتعرضون له، ومن أي نمط كان. وفي الوقت ذاته طورت خوارزمية تصنيف خاصة Edge-Ranking Algorithm، التي تقوم على أربعة عناصر رئيسة متعلقة بالمحتوى، هي الحداثة والانتشار والنوع والعلاقة بين المصدر والمتابعين.
تعمل هذه الخوارزمية على وضع الأخبار وترتيبها على قائمة آخر الأخبار أو "News Feed” بما يتناسب مع اهتمامات المستخدم بناء على تحليل التفاعلات والمشاركات والمجموعات التي ينضم إليها المستخدمون.
تبقى فضيحة انتخابات دونالد ترامب وتواطؤ فيسبوك مع حملته الانتخابية في نهاية 2016 المثال الأبرز على انتشار الخبار الكاذبة في فيسبوك وفق شبكات المستخدمين، إذ إنّ قصصًا مؤقتة بدأت تظهر للمستخدمين بما يتناسب مع اهتماماتهم وعواطفهم التي كوّنوها تجاه الأحداث العامة التي تجري في الولايات المتحدة. أربك فوز دونالد ترامب حينها الصحفيين والسياسيين، مؤسسة كامبريج أناليتيكا ومؤسسة إيزلينسايتس المتخصصتين بإجراء استطلاعات الرأي وتحليل البيانات، توقعتا فوز ترامب بسبب الانتشار الهائل لأخبار وصور تتعلق بحملته الانتخابية.
منصات التواصل الاجتماعي لا تحتوي فقط النخبة المثقفة، إذ إنّ السواد الأعظم من مستخدميها هم من العامة وأناس عادييون، ممن يقعون في شرك التفاعل مع آلاف المنشورات بطريقة تكشف عواطفهم واهتماماتهم، وهو ما يمكن استغلاله من قبل مؤسسات استطلاع الرأي وتحليل البيانات وإحداث خرق لتمرير بروبغندا معينة.
يعتمد صنّاع الأخبار الكاذبة على دغدغة مشاعر وعواطف المستخدمين، خاصة أنّ العصر الحالي هو عصر السرعة في التأثير، أي أنّ من يسبق في تقديم الخبر يؤثر أكثر، كون أغلب المستخدمين يعتمدون مصداقية الانطباع الأول لديهم تجاه الأخبار ويبدؤون تداولها. تأتي هنا ميزة منصات التواصل الاجتماعي كبيئة خصبة لنشر الأخبار الكاذبة، وخاصة في المجموعات التي تضم آلاف الأعضاء، وهي ميزة السرعة في الوصول ونشر الأخبار.
دفعت هذه الميزة صناع الأخبار الكاذبة إلى التنسيق لصنع سلاسل أخبار كاذبة بالاعتماد على كون منصات التواصل الاجتماعي بمثابة وسائط للأخبار العاجلة. وبالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد الدورة الإخبارية التقليدية الواقعة ضمن 24 ساعة مرغوبة لدى المتابعين، و بالنتيجة تم اعتماد نظام الدقائق بدلًا من الساعات في منظومة نشر الأخبار، و من هنا فإن زخم الأخبار يزيد من ناحية الكمّ والنوع الإخباري، و من ناحية القدرة على تشكيل الذوق العام للمتابعين وتوجيه عواطفهم ضمن خوارزميات معينة؛ و في الوقت نفسه تتعقّد المهمة على منصات التحقق من الأخبار الكاذبة و يصعب التأكد من الأخبار بعد إغراق المواقع بسيل من الأخبار المغلوطة والمفبركة، والتي يصبح من الصعب التحقق منها.
الارتباك الحاصل على مستوى التفاعل وتشكيل العواطف نابع من قلة مصادر الأخبار الموثوقة لدى شريحة واسعة من المستخدمين، لصالح وجود مواد كثيفة غير خاضعة للرقابة وإنما تتبع نموذج العلاقات العامة النفعية القائمة على منفعة اقتصادية (الإعلانات) أو سياسية (تحقيق مكاسب في الحملات الانتخابية مثلًا).
من هنا فإنّ ما يؤثر في المتابعين هو المحتوى العاطفي الذي يُلامس مشاعرهم ورغباتهم بغض النظر عن مدى صحته. إثارة الغضب تجاه قضية، أو نشر أخبار بغرض استجداء تعاطف ودموع المستخدمين حول حادثة ما، نشر أخبار كاذبة بهدف إضحاك الجمهور والتخفيف المصطنع عنهم؛ هي كلها من صنيعة سماسرة الأخبار الكاذبة.
بالنتيجة، فإننا أمام مستويين من العلاقة بين الأخبار الكاذبة والعواطف، الأول هو استخدام عواطف جمهور معيّن وترتيب أجندات صنع الأخبار الكاذبة وفق ميول المستخدمين ورغباتهم، والثاني هو الاعتماد على ضخّ عدد هائل من الأخبار الكاذبة التي يصعب على المتلقّي العادي التحقق منها، في سياق صناعة وتوجيه عواطف المستخدمين وفق أجندات المستثمرين في مؤسسات تحليل البيانات.
المراجع:
- Warwick, C., Terras, M., & Nyhan, J. (Eds.). (2012). Digital humanities in practice. Facet Publishing.
- Deibert, R. J. (2019). The road to digital unfreedom: Three painful truths about social media. Journal of Democracy, 30(1), 25-39.
- Fersini, E., Armanini, J., & D’Intorni, M. (2020). Profiling fake news spreaders: stylometry, personality, emotions and embeddings. In CLEF.
- Hinds, J., Williams, E. J., & Joinson, A. N. (2020). “It wouldn't happen to me”: Privacy concerns and perspectives following the Cambridge Analytica scandal. International Journal of Human-Computer Studies, 143, 102498.
- González, F., Yu, Y., Figueroa, A., López, C., & Aragon, C. (2019, May). Global reactions to the Cambridge analytica scandal: A cross-language social media study. In Companion Proceedings of the 2019 world wide web conference (pp. 799-806).
- The Beginner’s Guide to EdgeRank: How Facebook’s News Feed Algorithm Actually Works.
- Buffer
- Martel, C., Pennycook, G., & Rand, D. G. (2020). Reliance on emotion promotes belief in fake news. Cognitive research: principles and implications, 5(1), 1-20.
- Fuchs, C. (2014). Social media and the public sphere. Triple C: Communication, Capitalism & Critique. Open Access Journal for a Global Sustainable Information Society, 12(1), 57-101.