في أعقاب الهجمات المكثفة التي شنتها إسرائيل وغزوها لجنوب لبنان، يدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي الآن إلى سحب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من المنطقة.
غمرت مصادر عسكرية إسرائيلية ووسائل إعلام موالية لإسرائيل ومؤيدون لها الإنترنت بمعلومات مضللة، تتهم زورًا قوات اليونيفيل بالتعاون مع حزب الله والفشل في مهمتها لحفظ السلام.
إسرائيل تسعى لإخراج اليونيفيل من لبنان
في 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى سحب قوات اليونيفيل من "مناطق القتال"، مدعيًا أن وجودهم يجعلهم بمثابة "درع بشري" لحزب الله.
كما زعم نتنياهو أن قوات اليونيفيل إذا ما رفضت الانسحاب من المنطقة، ستتحول إلى "رهينة لدى حزب الله".
كان هذا الادعاء ذاته الذي استخدمه جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه على قطاع غزة. بينما واصلت إسرائيل عدوانها على القطاع، وتسببت في تهجير المدنيين قسرًا من شماله إلى جنوبه، كرر الجيش الإسرائيلي مزاعم مفادها أن حماس تستخدم المدنيين والهيئات الدولية كالأمم المتحدة كدرع حماية تنفذ من ورائه هجماتها على إسرائيل. لكن أكثر من سنة من العدوان الإسرائيلي على المدنيين أثبت زيف الادعاء.
وتداولت حسابات الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو زعمت أنه يظهر "أسلحة" لحزب الله ملقاة على الأرض، على بعد أمتار قليلة من موقع لقوات اليونيفيل.
ويُلمّح الفيديو إلى أن اليونيفيل إما تفشل في أداء واجباتها أو أنها تساعد حزب الله سرًا. وجاء في تعليق الجيش الإسرائيلي على الفيديو "ربما تسأل نفسك السؤال ذاته الذي نطرحه: كيف يتمكن حزب الله من زرع أسلحته على بعد أمتار قليلة من موقع اليونيفيل؟".
استخدمت مسيرة إسرائيلية لتصوير لقطات جوية توضح قرب الموقع المفترض لأسلحة حزب الله المزعومة من موقع اليونيفيل، الذي رفعت فيه أعلام الأمم المتحدة وأيرلندا.
سيجد أي مشاهد لديه منطق سليم صعوبة في تصديق احتمال أن يخبئ حزب الله أسلحة في مكان مكشوف، تستطيع المسيرات الإسرائيلية رصده.
ويبدو أن مثل هذه الفيديوهات التي ينشرها الجيش الإسرائيلي هي محاولة للضغط على قوات الأمم المتحدة التي تسعى إسرائيل جاهدة لطردها.
وسائل إعلام تنشر الدعاية الإسرائيلية ضد اليونيفيل
رددت وسائل إعلام مزاعم الجيش الإسرائيلي غير المدعومة عن تورط اليونيفيل في مساعدة حزب الله، وفشلها في القيام بمهمتها لحفظ السلام.
على سبيل المثال، نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل مقالاً عنوانه "القوة التي لا تحافظ على السلام في لبنان: 4 سيناريوهات لمستقبل اليونيفيل".
ناقشت الصحيفة كيف فشلت بعثة الأمم المتحدة في الحفاظ على السلام واتهمت البعثة بالتعاون مع حزب الله، مستندة إلى "خبراء إسرائيليين".
وجاء في المقال أن "استغلال الجماعة الإرهابية لبعثة حفظ السلام كغطاء ليس بالأمر الجديد، وفقًا لبعض الخبراء الإسرائيليين".
وروجت وسائل إعلام دولية الرواية الإسرائيلية نفسها ضد قوات اليونيفيل. إذ نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً تحت عنوان "قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هي أفضل صديق لحزب الله"، واتهمت فيه الصحيفة بعثة حفظ السلام بـ"استعراض العضلات" فحسب ردًا على الهجمات الإسرائيلية.
يؤكد المقال أن "اليونيفيل تسمح للإرهابيين بالتجول في لبنان، ولكنها تستعرض عضلاتها عندما ترد إسرائيل".
بالإضافة إلى ذلك، لجأ مستخدمون مؤيدون لإسرائيل إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتضخيم الاتهامات ضد بعثة الأمم المتحدة.
كشف فريق التحقيق التابع لمسبار مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع وحصد أكثر من 800 ألف مشاهدة، ادّعى ناشروه زورًا أنه يُظهر شاحنة تابعة لليونيفيل تحمل علم حزب الله. وشارك العديد من المستخدمين ذلك الفيديو، واتهموا اليونيفيل بمساعدة حزب الله علنًا.
بحث فريق مسبار عن أصل المقطع ووجد أنه أقدم مما ادّعى ناشروه، ويعود إلى إبريل/نيسان من العام الجاري.
صوّر الفيديو بعد دخول شاحنة تابعة لليونيفيل إلى حي سكني، حيث رفع بعض السكان علم حزب الله على المركبة.
إسرائيل تصّعد هجماتها على بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة
في 16 أكتوبر، أفادت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان بأن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على أحد مواقعها في هجوم "مباشر ويبدو متعمدًا"، مما أدى إلى إتلاف برج مراقبة.
أطلقت دبابة ميركافا إسرائيلية النار على برج المراقبة الخاص بهم، مما أدى إلى تدمير كاميرتين وإلحاق أضرار بالبرج.
هذه الحادثة هي جزء من نمط أوسع من الهجمات والانتهاكات الإسرائيلية بحق قوات حفظ السلام في لبنان، تزامنًا مع تكثيف إسرائيل للقصف والعمليات البرية في البلاد، والتي أسفرت عن مئات الضحايا ونزوح ما يقرب من ربع السكان.
ويوم أمس، الأحد، أفادت قوات اليونيفيل بأن دبابتين إسرائيليتين "دخلتا عنوة" موقعًا لليونيفيل بالقرب من قرية رامية، وعبرت الخط الأزرق الذي حددته الأمم المتحدة.
وفي أعقاب ذلك، أطلقت القوات الإسرائيلية قذائف دخان بالقرب من قوات حفظ السلام، مما سبب التهابات جلدية ومشاكل في الجهاز الهضمي لـ 15 فردًا منها.
وعلاوة على ذلك، أشارت اليونيفيل إلى أن القوات الإسرائيلية أعاقت تحركات لوجستية أساسية بالقرب من ميس الجبل يوم السبت الفائت.
مخاوف عالمية متزايدة من استهداف إسرائيل لليونيفيل
في بيان صدر يوم الاثنين، أعرب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن دعمه لليونيفيل في أعقاب الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، ودعا "جميع الأطراف" إلى ضمان سلامة وأمن البعثة. وشدد المجلس المكون من 15 عضوًا على أن "قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ومقار الأمم المتحدة يجب ألا تكون هدفًا لأي هجوم".
وأول أمس، السبت، أدانت 40 دولة مساهمة بقوات في بعثة حفظ السلام الاعتداءات الإسرائيلية، وطالبت بفتح تحقيق.
وفي بيان مشترك، قالت الدول إنها "تدين بشدة الهجمات الأخيرة على قوات حفظ السلام التابعة لليونيفيل" وأكدت أن "مثل هذه الأعمال يجب أن تتوقف على الفور ويجب التحقيق فيها بشكل كافٍ".
وعلى الرغم من هذه الحوادث، تظل الأمم المتحدة ثابتة في التزامها بالمهمة، وفق المتحدث باسمها ستيفان دوجاريك الذي قال إن علم الأمم المتحدة "لا يزال يرفرف"، مؤكدًا أن اليونيفيل لن تغادر.
لماذا تسعى إسرائيل إلى استبعاد اليونيفيل؟
يتمركز حوالي 10 آلاف عضو في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) عبر منطقة تزيد مساحتها عن 1000 كيلومتر مربع (386 ميل مربع) بين الحدود الجنوبية الفعلية للبنان ونهر الليطاني.
يعتقد خبراء أن مساعي إسرائيل لطرد اليونيفيل تهدف إلى إبعاد المراقبين الدوليين الذين يمكنهم توثيق أفعالها في لبنان.
أكد مصدر دبلوماسي رفيع المستوى، تحدث إلى قناة الجزيرة دون الكشف عن هويته، أن تفويض اليونيفيل هو جزء من النظام الدولي، وأن إلغاءها من شأنه أن يمنح إسرائيل "فوزًا سهلًا بعد سلوكها غير المقبول".
كما حذر شين دارسي، أستاذ في المركز الأيرلندي لحقوق الإنسان في الجامعة الوطنية في غالواي، من أن طرد اليونيفيل من شأنه أن يعقد الجهود الرامية إلى مراقبة انتهاكات القانون الدولي، مع تصعيد إسرائيل لهجماتها في جنوب لبنان.
إقرأ/ي أيضًا
الصور مولدة بالذكاء الاصطناعي وليست من الغارات الإسرائيلية قرب مطار بيروت
ما الأخبار المضللة التي رصدها مسبار عن الاجتياح البري الإسرائيلي لجنوب لبنان؟