` `

فيلم واغ ذا دوغ وإشكالية تصنيع الواقع

نور حطيط نور حطيط
ثقافة وفن
6 مايو 2022
فيلم واغ ذا دوغ وإشكالية تصنيع الواقع
واغ ذا دوغ فيلم أنتج عام 1997 (غوغل)

عُرض فيلم واغ ذا دوغ (Wag the Dog)، عام 1997 في دور السينما للمرّة الأولى، وهو من بطولة الممثلَين داستين هوفمان (Dustin Hoffman) وروبرت دي نيرو (Robert De Niro). ويطرح إشكالية تصنيع الواقع، ليحذِّر مشاهديه من فبركة الحقائق في وسائط الترفيه مثل السينما، ويدعوهم إلى إعادة التفكير في كل وسيط يدّعي أنّه ينقل الواقع.

يُمرّر الفيلم هذه الرسائل من خلال قصّته التي تتحدّث عن اتهام رئيس الولايات المتحدة الأميركية، بفضيحة جنسية قبل 11 يومًا من موعد الانتخابات الرئاسية، فتتضاءل فرص فوزه في ولاية ثانية، ممّا يدفع كلًّا من مساعِدته ومستشاره السري طوال أحداث الفيلم، للعمل على إدارة الأزمة وإنقاذ حملته الانتخابية. 

وفي عرضٍ سينمائيّ مذهل، يكشف منتج الفيلم عمّا يدور في عقل المستشار، فتبدأ أحداث الفيلم بالتصاعد، ليجعل من المُشاهد مواكِبًا دقيقًا لعملية صرف انتباه الجمهور عن فضيحة الرئيس.

تواطؤ هوليوود

تبدأ أحداث الفيلم بترؤس مُنتج هوليوود ستانلي موتس (Stanley Motss) لفريق الإنتاج الخاص به، للتخطيط، وسط أجواء عمل تمتدّ لساعات طويلة وتهدف لإنشاء حبكة رئيسية تقوم على اختلاق حرب مزيّفة بين الولايات المتحدة وألبانيا وابتكار سيناريو دقيق يقدّم على مدّ خطّه الزمنيّ، أحداث الصراع بين البلدين.

في الأثناء، يقوم منتج هوليوود بكتابة سيناريو يؤجّج عواطف الجمهور، لإقناعه ومحاولة السيطرة عليه. وفي تسلسل يمتدّ لست دقائق، يحظى الفيلم القصير بتفاعلات واسعة في الأوساط الإعلامية، وبين الأفراد الذين أبدوا تعاطفهم وتأييدهم الكامل لرئيس البلاد.

يذهب ستانلي لعرض لقطات مزيفة تحتوي إحداها على مشهد مؤلم للاجئة ألبانية وهي تركض في منطقة تعرضت للقصف، والمثير حقًا، قيام فريق الإنتاج باستخدام تقنيات تعتمد على الجودة مثل برامج الفوتوشوب، لإظهار الفيلم بدقة وكفاءة عاليتين، تتيح للمنتج خداع الوسائل الإعلامية والجمهور. فسريعًا ما يتمّ تناقل الأحداث والصراع على وقع كلمات أغنية "حماية الحلم الأميركي".

في الواقع، مثّلت اللقطات جانبًا مؤلمًا للغاية من الناحية العاطفية، الأمر الذي جعل من أهوال الحرب ضد ألبانيا مادة تسيطر على جميع البرامج الإخبارية في اليومين التاليين.

يمكننا القول إنّنا أمام تكنولوجيا رقمية استطاعت إزاحة المشكلة الحقيقية المتمثلة في الفضيحة الجنسية التي أشار إليها الفيلم، ويكمن التساؤل هنا عن دور هوليوود الحقيقي، ومدى تأثير التكنولوجيا على الجمهور في ما مضى وحتّى يومنا هذا؟

يكشف فيلم واغ ذا دوغ، عن مدى تأثير السينما على الجمهور، واستغلالها لخدمة وسياسة البيت الأبيض، وهذا ما ظهر في حرب فيتنام وحرب الخليج الثانية وحروب أخرى وقعت عبر التاريخ. ويسلّط الضوء على تقنيات الخداع البصرية، حينَ لم تعد الصورة تعني الحقيقة، بل الزيف في جوهرها. ومع أنَّ الفيلم أنتج عام 1997 إلّا أنّ تقنيات التلاعب بالصور، كانت موجودة كما هو واضح، وأصبحت هذه التقنيات أكثر خطورة وتعقيدًا من ذي قبل، كتقنية الزيف العميق التي أخذت في الانتشار على نطاق واسع في الآونة الأخيرة.

فضيحة الرئيس بيل كلينتون

بعد شهر واحد من صدور الفيلم، سُرّبت الفضيحة الجنسية بين الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون والموظفة في مكتب الشؤون التشريعية في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي، الأمر الذي دفع الوسائل الإعلامية للمقارنة بين الأحداث الواقعية وأحداث الفيلم الخيالية.

وفي أغسطس/آب عام 1998، وصلت الفضيحة الجنسية إلى ذروتها، حين أثبتت أدلّة جديدة تورّط الرئيس الأميركي بالعلاقة الجنسية، التي نفاها أمام الشعب الأميركي في بادئ الأمر. وتزامنًا مع إدلاء لوينسكي بتفاصيل جديدة حول علاقتها مع الرئيس، قصفت القوات الأميركية مصنعًا للأدوية في السودان ومعسكر تدريب شبه عسكري في أفغانستان.

أثار هذان الحدثان شكوكًا بشأن الدافع وراء الهجمات العسكرية، وعاد الشك ذاته إلى الظهور مرة أخرى في ديسمبر/كانون الأول عندما أمر كلينتون بقصف العراق في نفس اليوم الذي كان فيه الكونغرس في طريقه إلى التصويت لعزله من منصبه ومحاكمته بسبب الفضيحة الجنسية.

وأشارت البروفيسورة المختصّة في السينما العالمية أليفثيريا ثانولي في دراسة أعدّتها، عن أكثر من 30 مقالًا حول الفيلم، كانت صحيفتا ذا نيويورك تايمز وذا واشنطن بوست وغيرهما قد نشرتها بالتزامن مع التطورات السياسية التي عصفت بالولايات المتحدة الأميركية، وقتئذ، ممّا أثار تساؤلات عمّا إذا كان الرئيس كلينتون قد أمر بتوجيه هذه الضربات على السودان والعراق وأفغانستان لإلهاء الشعب الأميركي عن تورطه في الفضيحة الجنسية. 

ذلك وأنَّ بعض الإعلاميين مثل سيمور هيرتش في ذا نيويوركر، كشف أنَّ السودان التي هوجمت بذريعة إنتاج أسلحة كيميائية، كانت في الواقع تعمل على معالجة وتسويق المضادات الحيوية والأدوية المفيدة. كذلك، تبيّن أنّ المعسكرات التي استُهدفت في أفغانستان وقيل إنّها معسكرات تدريب الإرهابيين، كانت في الواقع معسكرات يستخدمها ضباط المخابرات الباكستانية لتجهيز المقاتلين للقتال في كشمير. 

كما أبدت بعض الصحف شكوكًا جدية حول أهداف عملية "ثعلب الصحراء" العسكرية التي شنّها كلينتون على العراق وحول القرارات الرئاسية التي تزامنت مع موعد محاكمته، في ظلّ تبريراته المستمرة بشـأن التوقيت الذي حاول فيه شنّ هذه الحرب.

الواقعية المفرطة

لعبت الدعاية دورًا مهمًا في الحروب القديمة، لكن ما يطرحه الفيلم يعتبر شيئًا جديدًا، بما انّه تلفيق كامل للحرب. 

ويمكن تفكيك سردية الفيلم وفقًا لنظرية بودريار، الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي، فخلال الأحداث الجارية، نشاهد كيف تمكّن المستشار بمساعدة منتج هوليوود من إيقاف التهديد الذي طال حملة الرئيس الانتخابية (الفضيحة الجنسية) من خلال الـواقعية المفرطة المفهوم الذي صاغه بودريار، ويُقصد به أحداث وأخبار  ومعلومات لا تستند في مجملها إلى مراجع.

كما يمكن ملاحظة الأمر في ردّة فعل المرشح الرئاسي الآخر، ووكالة الاستخابرات المركزية الأميركية CIA، الذين أعلنوا نهاية الصراع على الشاشات التلفزيونية وفي وسائل الإعلام، دون أن ينكروا ما تمّ تلفيقه بالرغم من معرفتهم بخفايا القصة. وبالتالي كان الأسهل عليهم الإعلان عن إنهاء العملية العسكرية، بدلًا من جمع الأدلة وتبيان الحقيقة في عدم وجود أي نشاط عسكري على ألبانيا.

سرّ الحذاء

عندما انتهت الحرب الوهمية، قام كل من"موتس" ومستشار الرئيس، باختلاق قصة جندي يُدعى شومان، وقالوا إنّه وقع أسيرًا لدى الجماعات الإرهابية في ساحة الحرب في ألبانيا. كما اختاروا له اسمًا رمزيًا وهو "الحذاء القديم"، على غرار أغنية شعبية قديمة، لإثارة عاطفة الجماهير. 

ولجعل الأحداث أكثر إثارة، همّ المستشار والمنتج، بإلقاء أزواج من الأحذية القديمة على أغصان الأشجار، ما دفع الشعب الأميركي في اليوم التالي، إلى تعليق الأحذية على الأسلاك وفي الشوارع وعلى الأرصفة وفي كلّ مكان. ووصل تعاطفهم إلى رميها في إحدى ملاعب كرة السلة، تمجيدًا للجندي الأسير، ليصبح الحذاء رمزًا وطنيًا في الولايات المتحدة الأميركية.

وبينما كان الجمهور ينتظر عودة الجندي شومان "بطل الحرب"، الذي وعد الرئيس بعودته في طائرة خاصّة، يُقتل الشخص الذي اختير لتأدية هذا الدور، ويتبيّن لاحقًا بأنه شخص خطير، محكوم عليه سابقًا في قضية اغتصاب راهبة ومصاب بالذهان. فيتدارك الأمر كلّ من مخرج هوليوود ومساعدة الرئيس ومستشار الأزمة؛ وسرعان ما يتمّ التعامل معها بشكل مثير ومبدع، فيسرِّبون إلى الإعلام حادثة مختلقة لموته، ويدعون الجمهور إلى المشاركة في المراسم الجنائزية الدرامية في المطار عند وصول جثمانه. 

نجح المقربون من الرئيس، بإبعاد الفضيحة الجنسية، وتمّ إعادة انتخابه بتمجيد وتصفيق وتشجيع حار من الجمهور الأميركي. ومن المثير أنَّ الفيلم ينتهي بقتل مخرج هوليوود بأمر مباشر من البيت الأبيض، بعدما أراد كشف ما أنتجه خلف الكواليس، وتعلن وسائل إعلامية أنه توفي نتيجة سكتة قلبية، لتُدفن الحقيقة معه إلى الأبد.

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم لا تنظر للأعلى يطرح قضية التضليل الإعلامي والسياسي وقت الأزمات

العلاقة بين الاقتصاد السياسي والتضليل عند تشومسكي وهيرمان

المصادر:

Wag the Dog: A Study on Film and Reality in the Digital Age

Wag the dog

الأكثر قراءة