عُرضت الحلقة الأخيرة من مسلسل ابتسم أيها الجنرال يوم الجمعة 21 إبريل/نيسان الجاري، لينتهي معها عرض المسلسل الذي أثار الجدل في الموسم الرمضاني الأخير، دون أن تنتهي معه زوبعة المعلومات المضللة والكاذبة التي بدأت قبل عرضه ولم تنتهِ حتى اليوم.
ابتسم أيها الجنرال
مسلسل ابتسم أيها الجنرال، هو عمل درامي تلفزيوني تدور أحداثه حول أسرة حاكمة تسيطر على مقاليد الحكم في دولة تدعى "دولة الفرات"، وينشأ صراع بين أفرادها، حول السلطة والنفوذ. المسلسل من إنتاج شركة ميتافورا، وتأليف السيناريست سامر رضوان، وإخراج عروة محمد، وبطولة مكسيم خليل، عبد الحكيم قطيفان وريم علي وغطفان غنوم وعدد من الفنانين السوريين.
ورغم توضيح شركة ميتافورا للإنتاج الفني أن المسلسل من وحي الخيال وأن أي تشابه بينه وبين الواقع هو بمحض المصادفة، وتأكيد كاتبه سامر رضوان على ذلك، إلا أن التشابهات والإسقاطات التي حملها على قصة حكم آل الأسد لسوريا والنزاع الداخلي على السلطة أحدثت حالةً من الانقسام لدى المتابعين والمعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وساهم طرفي الانقسام، بين مؤيد ومترقب للمسلسل وبين معارض له ولطاقم عمله، في نشر الكثير من المعلومات المضللة التي طاولت محتوى العمل وكواليسه وطاقمه. ففي بداية شهر رمضان الفائت، نشرت العديد من المواقع والحسابات ادعاءً مفاده أن النظام السوري يحاول تشويه سمعة المسلسل بالقول إنه يحتوي على مشاهد خادشة للحياء.
وبعد تحقق "مسبار" من الادعاء، تبين أنه كان مضللًا، واعتمدت الجهات الإعلامية التي تناقلت الخبر على منشور لصفحة تحمل اسم "الوكالة الطرطوسية للأنباء TNN" على موقع فيسبوك. وعند البحث في الصفحة ومنشوراتها، تبين أنها صفحة ساخرة تتهكم على نظام الأسد وخطابه الإعلامي وقرارات حكومته.
كما أنها ليست المرة الوحيدة التي تتهكم فيها الصفحة على المسلسل وما يحيط به من جدل، إذ نشرت منشورًا آخر مفاده أن نسبة مشاهدي المسلسل الأعلى هم من جبلة، بينما احتلت طرطوس المرتبة الأخيرة في نسب المشاهدين، وذلك كنايةً ساخرةً عن المشادات بين سكان المدينتين.
المحتوى الساخر ساهم في نشر المعلومات المضللة
وتجدر الإشارة إلى أن تناقل الأخبار الساخرة على أنها حقيقية ليس بالأمر الجديد، إذ يعتبر العديد من مدققي الحقائق أن المحتوى الساخر يعدّ مصدرًا رئيسيًا للمعلومات المضللة أحيانًا، خاصةً في المواضيع المثيرة للجدل، على الرغم من إيضاح ناشريه أنه ساخر. وقالت شانون بولسن التي تبحث في الصلة بين الفكاهة والمعلومات المضللة في جامعة ولاية أوهايو الأميركية لوكالة فرانس برس "السخرية يمكن أن تضلل أكثر مما تعتقد".
وفي سبتمبر/أيلول 2022، وخلال بث مباشر على قناة CNews الفرنسية، نسب المقدم باسكال براود تصريحات لوزير الطاقة في البلاد اخترعها حساب ساخر على موقع تويتر، وخلال فترة كأس العالم قطر 2022، تداولت حسابات وصفحات كثيرة خبرًا يفيد بمنع الاحتفال بالأهداف لأنه فعل "مثلي"، ليتضح أن أصل الخبر هو القسم الساخر من صحيفة دي فيلت الألمانية.
ويعود هذا التداول واسع النطاق للأخبار الساخرة على أنها حقيقية بشكل رئيسي، وفقًا للباحثين، إلى حقيقة أن العديد من الوسائل الإعلامية الساخرة تحاكي الوسائل الإعلامية الشرعية، وغالبًا ما تثير الارتباك بين القراء فيما يبدو أنها مقالات إخبارية حقيقية، بينما هي في الواقع قصص ملفقة.
وفي بعض الأحيان، حتى مع تنويه الناشرين بوضوح لمقالاتهم على أنها سخرية، يأخذها العديد من القراء في ظاهرها، بحسب بولسن. وهذا ما وقعت فيه بعض المواقع والصحف الكبرى مثل صحيفة النهار اللبنانية وموقع ارفع صوتك التابع لمجموعة الحرة الذين نقلوا الخبر الساخر حول المسلسل.
وفي عام 2021، أعلن فيسبوك أنه سيضيف تسميات ووسوم مثل "صفحة ساخرة" إلى المنشورات التي تظهر في موجز الأخبار للمستخدمين لتمييزها بوضوح عن المعلومات الحقيقية، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن، ويقترح بعض الباحثين استخدام الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية لمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك، إذ توصل باحثون من جامعة ساري البريطانية إلى نموذج يستطيع التمييز بين الأخبار العربية الحقيقية والساخرة بنسبة 98.6 في المئة حتى وإن لم يشار إلى مصدرها.
الادعاءات حول طاقم عمل ابتسم أيها الجنرال
لم يسلم القائمون على العمل من الشائعات، من الكاتب إلى الممثلين، إذ نشر موقع قناة الجديد اللبنانية تقريرًا في تاريخ 29 مارس/آذار 2023 ادعى فيه إصابة كاتب المسلسل سامر رضوان بمرض سرطان الرئة من الدرجة الرابعة، وأنه يرقد في المستشفى حيث كانت حالته الصحية مستقرة، إلا أنها تدهورت بشكل كبير خلال الساعات الماضية لكتابة التقرير ووصفت بـ"الحرجة".
لكن صديق الكاتب مشعل العدوي أوضح عبر صفحته على موقع فيسبوك بعض التفاصيل التي تخص مرض سامر رضوان، قائلاً "نعم الصديق المبدع سامر رضوان قد تعرض لوعكة صحية في الفترة الماضية ولكنه ليس في المشفى ووضعه ليس حرجًا كما تتداول الصحافة الصفراء. الصديق سامر في منزله، وبالأمس وبعد انتشار الخبر كلمته إن كان يحب الرد على الخبر والظهور على الإعلام فكان جوابه نبيلاً وقال: لا أريد أن أخرج على الإعلام بهذه القصة كي لا يُفهم ظهوري بأنه ترويج للعمل، أنا بخير وكفى".
وفي يوم 31 مارس الفائت، أي بعد يومين من نشر التقرير، نشر صديق الكاتب الأخر، أحمد حاج بكري، صورة التقطت في اليوم نفسه تجمعه برضوان في مقهى عام.
الممثل مكسيم خليل
أما نصيب الأسد من الشائعات فكان لبطل العمل الممثل السوري مكسيم خليل، ففي بداية إبريل الجاري، تداولت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو ادّعت أنّه من لقاء حديث للممثل، يتحدث فيه عن دوره في مسلسل ابتسم أيها الجنرال، وكيف أصبح معارضًا للنظام السوري. حينها، تحقق "مسبار" من الادّعاء المتداول وتبين أنّه مضلّل، إذ إنّ مقطع الفيديو قديم ولا علاقة له بالمسلسل، بل يعود للقاء للممثل مكسيم خليل وعبد المنعم عمايري والممثلة نظلي الرواس أبطال مسلسل غدا نلتقي، في برنامج Rating رمضان، الذي عرض في موسم رمضان عام 2015، على قناة أبو ظبي التلفزيونية.
الشائعة الأخرى التي طاولت الممثل انتشرت خلال الفترة ذاتها مطلع هذا الشهر، من خلال مقطع فيديو من لقاء للممثل ادّعى ناشروه أنه يتحدث فيه عن كلفة مسلسل ابتسم أيها الجنرال. لكن "مسبار" تحقق حينها من ذلك الادعاء ووجده مضللاً أيضاً، ويعود لنفس اللقاء الذي جمعه بنجوم مسلسل غدا نلتقي عام 2015.
الممثلة ريم علي
ومن أبطال العمل الذين تعرضوا للإشاعات أيضًا، الممثلة السورية ريم علي التي أدت دور "السيدة صوفيا" زوجة الرئيس "فرات"، إذ نشرت يوم 22 إبريل الجاري، أي بعد عرض الحلقة الأخيرة بيوم واحد، منشورًا تنتقد فيه التغييرات الذي طرأت على النص الأصلي الذي وقعت عليه عندما قبلت بالدور، وطمس بعض التفاصيل التي عمل عليها الطاقم التمثيلي من النسخة النهائية للعمل، إلا أنها حذفت المنشور لاحقًا.
حينها نشرت العديد من الحسابات على موقعي فيسبوك وتويتر المنشورات والتغريدات التي تفيد بأن شركة "ميتافورا" المنتجة للعمل أجبرت الممثلة على حذف منشورها ذاك، لتعود الممثلة في اليوم التالي وتوضح بنفسها أن حذفها للمنشور كان بسبب استغلال بعض المعلقين لشتم العمل لأسباب شخصية و"نوايا صفراء" بحسب تعبيرها. موضحةً أن الشركة لم يكن لها دور في حذف المنشور، وأنها "كانت ولا تزال في قمة الاحترام بتعاملها" مع طاقم العمل.
الشائعات حول طاقم مسلسل ابتسم أيها الجنرال لم تقتصر على الكاتب والممثلين، إذ ادّعى الصحفي والكاتب السوري موسى العمر في مقطع فيديو نشره في حسابه على موقع تويتر أن السلطات في تركيا (البلد الذي صُوّرت فيه حلقات المسلسل) قد اعتقلت مدير تصوير المسلسل ورحّلته إلى خارج البلاد بسبب إنزاله العلم التركي في أحد مواقع التصوير ورفع علم دولة الفرات بدلًا منه.
لكن عند البحث المعمق عن الكلمات المفتاحية ذات الصلة بذلك الادعاء، لم يتسنَّ لـ "مسبار" العثور على أيّ أخبار تؤكد حدوث ذلك، كما لم ينشر مدير التصوير عصام السعيدي في حسابه أي شيء يدل على الحادثة المفترضة.
انتحال شخصيات من عائلة الأسد
مع بدء عرض حلقات المسلسل، ظهرت شخصيات نسائية تدّعي أنها من عائلة الأسد، وأخذت تهاجم مسلسل ابتسم أيها الجنرال وأبطاله على “تويتر”، وتحاول لصق الاتهامات بالمسلسل بأنه يتناول العائلة نفسها، وادعت هذه الحسابات أنها لشخصيات تعود إلى ريم هارون الأسد ابنة عم رئيس النظام السوري بشار الأسد ومنال الأسد، التي تدعي أنها تعمل في وزارة الخارجية السورية.
تبين يالبحث، أن الحسابين ليسا لريم الاسد أو منال الاسد. وبالتعاون في البحث بين "مسبار" وصحيفة المدن، أكدت نتيجة التقصّي أنه لا يمكن التأكيد بأن تلك الحسابات تعود إلى أشخاص من عائلة الأسد، خصوصًا وأنّ الحساب الذي يحمل اسم منال الأسد على سبيل المثال ليس متابعًا بشكل جيد، كما جرى حذف علامة التوثيق عنه وعادت مرة أخرى بعدها، وبشكل عام الحساب مثير للريبة ولا يمكن اعتماده.
كما أنه لا يوجد في بيانات مواقع وزارات النظام السوري أي دليل يشير إلى أحد العاملين في وزارة الخارجية -أو أي وزارة أخرى- يحمل هذا الاسم. كما تدّعي الشخصية في إحدى تغريداتها أن اسمها أُدرج في لائحة العقوبات التي فرضها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في حين أن الشخصيات السورية التي وردت أسماؤها في لائحة العقوبات الأوكرانية الأخيرة هي بشار الأسد، وحسين عرنوس رئيس الوزراء، وفيصل المقداد وزير الخارجية.
وعليه، يبدو أن هناك حملة تحريض من جهات موالية ضد المسلسل، وضد مكسيم خليل نفسه على خلفية العمل، رغم أنه واظب على نفي أي صلة له بأي قصة عربية، وبأنه مسلسل من محض الخيال.
أرقام ضخمة وآراء متباينة حول المسلسل
تخطت مشاهدات مقاطع الحلقات الكاملة لمسلسل ابتسم أيها الجنرال حاجز الـ 46.6 مليون مشاهدة على قناة تلفزيون "العربي 2" على موقع يوتيوب، وتباينت الآراء تجاه المسلسل بين معجب ومنتقد، إذ وصفه الممثل السوري باسم ياخور في لقاء له مع برنامج "مراحل" على قناة SBC السعودية بأنه يسبب حالة من الاستقطاب.
أما الممثل السوري جمال سليمان، فقد قال في لقاء له ضمن برنامج "تفاعلكم" على قناة العربية أن مسلسل ابتسم أيها الجنرال "إشكالي وجريء ويفتح بابًا للنقاش، كما يتجاوز الخطوط التقليدية المعتادة في الدراما السورية".
فراس الأسد، ابن عم رئيس النظام بشار الأسد، نجل رفعت الأسد، أشاد بالمسلسل وكتب في منشور له على فيسبوك "ابتسم أيها الجنرال هو إنزال جوي قامت به مجموعة صغيرة من شجعان الدراما السورية خلف خطوط دفاع النظام، في داخل المنطقة المحرمة على صناعة الدراما السورية والتي أغلقت في وجهها قبل 60 عاما".
فيما خالفه شقيقه دريد الأسد الرأي، إذ نشر على حسابه على فيسبوك عددًا من المنشورات التي عبر فيه عن استياءه من المسلسل وسخريته من نجومه، فكتب دريد في أحد منشوراته "طول عمرو اسمو رمضان كريم! بحياتو ما ممكن يصير رمضان مكسيم !"، وكتب في منشور آخر "صرلنا 13 سنة عم نحضر مسلسل واحد بس عنوانو: انتصِر أيّها البشّار".
المصادر
اقرأ/ي أيضًا
هل قادت حسابات آلية في تويتر التفاعل على وسم مطار مروي السوداني؟
