أعلنت وكالة النقل الجوي الفيدرالية الروسية أن يفغيني بريغوجين، قائد مجموعة فاغنر الروسية العسكرية، والذي قاد تمردًا قصير الأمد ضد القيادة العسكرية الروسية في يونيو/حزيران الفائت، كان على متن طائرة تحطمت شمال غربي موسكو في منطقة تفير مساء أمس الأربعاء 23 أغسطس/آب.
وبحسب وكالة الأنباء الرسمية تاس، تم فتح تحقيق في حادث تحطم طائرة إمبراير ليجاسي 600، التي تحمل رمز التسجيل RA-02795، للوقوف على أسباب الحادث.
وكان سبعة ركاب وثلاثة من أفراد الطاقم على متن طائرة إمبراير الخاصة عندما تحطمت بالقرب من قرية كوزنكينو في منطقة تفير، وفقًا لوزارة خدمات الطوارئ الروسية. وقالت الوزارة إن جميع من كانوا على متن الطائرة لقوا حتفهم، بحسب المعلومات الأولية، مضيفة أن الفريق المختص يجري عمليات بحث وتعرّف على الجثث.
ومن بين من كانوا على متن الطائرة ديمتري أوتكين، وهو ملازم موثوق به لدى بريغوجين منذ تشكيل فاغنر، وفاليري تشيكالوف، كبير مساعدي بريغوجين، وفقًا لقائمة الركاب التي شاركتها وكالة الطيران الروسية.
وذكرت وسيلة الإعلام الرسمية روسيا 24، أنّه تم العثور على جثث ثمانية أشخاص في موقع التحطم. وفي وقت سابق، ذكرت تاس أن الطائرة "احترقت" عند الاصطدام بالأرض بعد أن حلّقت في الهواء لمدة نصف ساعة تقريبًا.
ويأتي الحادث بعد أشهر من إطلاق بريغوجين تمردًا قصيرًا استمر أقل من 24 ساعة، لكنه شكل تحديًا غير مسبوق لسلطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أن يتم إلغاؤه فجأة في صفقة تطلبت من رئيس فاغنر ومقاتليه الانتقال إلى بيلاروسيا.
وشاركت قوات فاغنر بشكل كبير في الاستيلاء على مدينتي سوليدير وباخموت شرقي أوكرانيا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الفائت. ثم أمضى بريغوجين أشهرًا في انتقاد القيادة العسكرية الروسية والدعم المُجحف الذي كانت تقدمه لقواته قبل أن يدعو إلى التمرد المسلح.
مقاطع فيديو تُظهر سقوط طائرة بريغوجين
وأظهر مقطع فيديو نشرته وكالة الإعلام الحكومية الروسية، ريا نوفوستي، طائرة تسقط من السماء وقد فقدت أحد جناحيها. لم تتمكن وسائل الإعلام من التحقق من موقعه، لكن منصة بيلينغ كات للاستخبارات مفتوحة المصدر، استطاعت تحديد موقع فيديو سقوط طائرة بريغوجين في قرية كوزينكينو غربي منطقة تفير شمالي موسكو، استنادًا إلى صور الأقمار الصناعية الأرشيفية في قاعدة البيانات التي تقدمها شركة ماكسار.
ويظهر مقطع فيديو آخر، نشرته وكالة ريا نوفوستي أيضًا، حطام محرك الطائرة في موقع التحطم. وبالتدقيق، تظهر على حطام المحرك الذي كان مشتعلًا في المقطع، الأرقام 2795، وهي الأرقام الأربعة الأخيرة من رقم التسجيل الخاص بالطائرة الذي كشفت عنه وكالة النقل الجوية الروسية، وهو RA-02795.
طائرة رافقت يفغيني بريغوجين في مختلف رحلاته
هذه ليست المرة الأولى التي ترتبط فيها تحركات يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة فاغنر، بطائرة إمبراير ليجاسي 600، إذ أعلنت السلطات الأميركية عن ارتباط بريغوجين بالطائرة وفرضت عليها عقوبات لأول مرة عام 2019، عندما كانت تحمل اسم M-SAAN، وكانت شركة Autolex Transport المسجلة في دولة سيشيل في شرق أفريقيا المالكة والمشغلة للطائرة. لكن بعد ذلك تمت إعادة تسجيلها في روسيا برقم RA-02795، وفقًا لقاعدة بيانات LAAS الخاصة بالطيران.
ونفى بريغوجين سابقًا، في تعليق لموقع بلانت الروسي قبل عامين امتلاكه للطائرة، إذ قال "أريد أن أبلغكم رسميًا أن هذه الطائرة لا تنتمي لي. وليس لدي أي علاقة بها". لكن مشروع Africa Intelligence أبلغ عن طلب أجهزة المخابرات الأميركية من عدة دول أفريقية، عدم قبول وصيانة طائرة إمبراير ليجاسي 600 التي تحمل رقم التسجيل RA-02795. وأعلنت السلطات التشادية اتباعها هذه التوصية.
لكن البيانات التي حصل عليها "مسبار" من خدمة FlightRadar24 لتتبع الملاحة والطائرات أظهرت أن تحركات طائرة RA-02795 تزامنت سابقًا مع تحركات بريغوجين. على سبيل المثال، بعد انسحاب قوات فاغنر من مدينة باخموت في أوكرانيا في نهاية مايو/أيار الفائت، أعلن يفغيني بريجوزين تحويل نشاطه الإعلامي إلى المناطق في الداخل الروسي وعقد ثلاثة مؤتمرات صحفية في يكاترينبيرغ ونوفوسيبيرسك بين يومي 30 مايو و1 يونيو/حزيران ليقدّم مشروع فاغنر الجديد الغامض الذي أسماه "الجبهة الثانية".
وعندما تتبع مسبار حركة طائرة RA-02795 خلال الأيام المذكورة، وجد أنها طارت من سانت بطرسبرغ، مسقط رأس بريغوجين ومقر إدارة فاغنر المركزية، إلى يكاترينبيرغ يوم 30 مايو، وبعد ذلك توجهت إلى مدن نوفوسيبيرسك وفلاديفوستوك يوم 31 مايو، لتعود إلى سانت بطرسبرغ يوم 1 يونيو.
وفي 27 يونيو الفائت، اليوم الذي أعلن فيه بريغوجين تمرّده على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير دفاعه في عملية أسماها "زحف العدالة"، أعلن رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، الذي توسط بين بوتين وبريغوجين، عن وصول الأخير إلى البلاد. ووفقًا لبيانات موقع Flightradar24 التي اطلع عليها مسبار، هبطت طائرة إمبراير ليجاسي 600 في مطار ماتشوليشي العسكري بالقرب من مينسك في ذلك اليوم. وفي مساء اليوم نفسه، طارت من مينسك وحطّت في قاعدة تاتيشيفو في مقاطعة ساراتوف شمالي موسكو.
كيف سقطت طائرة فاغنر؟
أما فيما يتعلق برحلة الطائرة الأخيرة، تظهر بيانات الرحلة أن الطائرة المرتبطة ببريغوجين وصلت إلى ارتفاع حوالي 28 ألف قدم قبل أن تتوقف فجأة بيانات الإرسال اللازمة لتتبع الرحلة المتاحة للجمهور، بعد الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي، جنوب غربي مدينة تفير.
وقال متحدث باسم موقع تتبع حركة الملاحة والطيران FlightRadar24 لشبكة سي إن إن، إنه لا يزال يحلل البيانات التي "من المحتمل أن تكون غير مكتملة"، بسبب الطريقة التي يتم بها جمع بيانات الرحلة بالقرب من موسكو.
وفي صباح اليوم، نشر موقع FlightRadar24، تقريرًا لحالة الطائرة قُبيل سقوطها. إذ أفاد التقرير أنه على الرغم من تزويد الطائرة بنظام البث والمراقبة التلقائية (ADS-B)؛ الذي يمكّن الطائرات من إرسال واستقبال البيانات تلقائيًا مثل تحديد الهوية والموقع والبيانات الإضافية، حسب الاقتضاء، في وضع البث المباشر اعتمادًا على نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية (سواءً كان GPS أو GLONASS أو غيرهم)، إلا أن تداخلًا أو تشويشًا طرأ على النظام في موقع السقوط أدى إلى إرسال بيانات غير دقيقة من الطائرة، ما اضطر المحللين إلى تتبّع حالة الطائرة بواسطة تقنية تدعى "تعددية الأطراف" (MLAT) لحساب موقع الطائرة بناءً على استقبال الإشارات من قبل أجهزة استقبال متعددة في المنطقة.
وبحسب موقع Flightradar24، تلقّت أجهزة الاستقبال البيانات من الطائرة لأول مرة في الساعة 14:46 بالتوقيت العالمي، وتمكن مراقبو الأداة من تحديد موقع الطائرة من الساعة 14:59 بالتوقيت العالمي إلى الساعة 15:11، حيث بلغ ارتفاع الطائرة 28 ألف قدم. وواصلت الطائرة إرسال البيانات حتى الساعة 15:20:14 بالتوقيت العالمي.
وعلى الرغم من أن الطائرة لم تكن ترسل معلومات الموقع عند سقوطها، فقد تم بث بيانات أخرى مثل الارتفاع والسرعة والمعدل العمودي وإعدادات الطيار الآلي. وهي بيانات وفرت ما يكفي من المعطيات التي وثقت اللحظات الأخيرة من الرحلة، والتي شهدت سقوطًا متسارعًا، بحسب ما يبدو.
بعد الاستقرار على ارتفاع 28 ألف قدم في الساعة 15:10 بالتوقيت العالمي، واصلت الطائرة الطيران بسرعة ثابتة حتى الساعة 15:19 بالتوقيت العالمي، وعند هذه النقطة انخفض المعدل العمودي بشكل كبير وهبطت الطائرة لفترة وجيزة قبل صعودها إلى أقصى ارتفاع يبلغ 30 ألفًا و100 قدم قبل الهبوط التدريجي الأخير. ثم عادت إلى ما يقرب من 27 ألفًا و500 قدم، وصعدت مرة أخرى لتصل إلى ارتفاع 29 ألفًا و300 قدم قبل أن تستقر مرة أخرى عند حدود 28 ألف قدم، ويبدأ انخفاضها الدراماتيكي لتنخفض خلال آخر 32 ثانية من البيانات المسجّلة إلى ارتفاع يبلغ 19 ألفًا و725 قدم في الساعة 15:20:14، اللحظة الأخيرة في بيانات الإرسال.
هل استُهدفت طائرة فاغنر؟
بحسب قناة Grey Zone المقربة من فاغنر على تيليغرام، التي نشرت أول مقطع يُظهر الطائرة بعد سقوطها واحتراقها، فإن شهود عيان سمعوا صوت انفجارين قويّين قبل تحطم الطائرة في منطقة تفير، وبعد ذلك سقط جناح الطائرة بالقرب من مزرعة مهجورة في قرية كوزنكينو.
ولم يُعلن بعد عن سبب سقوط الطائرة رسميًا، لكن مصادر لقناة VChK-OGPU الروسية على تطبيق تيليغرام، والمقربة من فاغنر، رجحت أنه كان من الممكن إسقاط طائرة بريغوجين بواسطة طائرة سوخوي 35 أقلعت من قاعدة خوتيلوفو الجوية (التي تبعد 15 كلم عن موقع السقوط) لاعتراض طائرة فاغنر واستهدافها بصاروخين جو-جو من طراز R27، فيما رجح خبير المصادر المفتوحة ومدير الأبحاث في بيلينغ كات أنه تم استهداف الطائرة بصاروخ مضاد للطائرات أُطلق من القاعدة نفسها، إلا أنّ مسبار لم يتمكن من التثبّت من أي من الروايتين بسبب الغيوم المتراكمة فوق المنطقة التي حالت دون الوصول إلى صور أقمار صناعية واضحة لحظة السقوط، كما لم يجد أي طائرة عسكرية حلّقت بالقرب من طائرة فاغنر، وفق بيانات FlighRadar24.
هل توفي قائد فاغنر؟
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل قليل وفاة يفغيني بريغوجين في كلمة متلفزة نعى فيها أسر ضحايا الطائرة التي سقطت، إلا أنّ بعض القنوات الداعمة لفاغنر على تيليغرام استغلت تأخر إعلان وفاة بريغوجين بشكلٍ رسمي لتنشر ادعاءً مفاده أن إدراج اسم بريغوجين ضمن مُستقلّي الطائرة المحطمة كان خدعة منه لتضليل الجهات الفاعلة وراء عملية اغتيال محتملة، حيث ورد اسم طائرة إمبراير ليجاسي 650 ذات رقم التعريف RA-02748، مُدعين أنّ بريغوجين كان على متنها.
لكن مسبار بحث في تاريخ الطائرة، ولم يجد لها ارتباطاتٍ سابقة برحلات بريغوجين أو فاغنر، ووجد أنّها تنقلت بين مدن، لم يثبت حتى الآن وجود نشاطٍ لمجموعة فاغنر فيها، مثل اسطنبول والرياض وتل أبيب. وعند مراقبة تحركات الطائرة يوم أمس، وجد أنّها غادرت من موسكو إلى سانت بطرسبرغ قبل إقلاع الطائرة المحطمة بـ 40 دقيقة وعادت إلى موسكو بعد ساعتين و43 دقيقة. كما لاحظ أنّها عادت وحلّقت اليوم في رحلة من موسكو إلى العاصمة الأذربيجانية باكو.
ورغم عدم وجود تقارير طبية أو صور تثبت وفاة يفغيني بريغوجين، حتى اللحظة سوى نعي الرئيس بوتين، إلا أنّه تم نقل كافة الجثث إلى مشرحة تفير. وقالت مصادر في شركة فاغنر لقناة الجزيرة الإنجليزية إنه تم العثور على هاتف بريغوجين بجوار إحدى الجثث. إضافةً إلى ذلك، قال مصدر لقناة Cheka-OGPU على تيليغرام؛ وهي قناة مقرّبة من فاغنر اعتادت نشر أخبار حصرية عن المجموعة، إنه تم التعرف رسميًا على جثة يفغيني بريغوجين في المشرحة، إذ كانت العلامة الرئيسية هي عدم وجود إصبع. كما تم التعرف على الزعيم الثاني لفاغنر، ديمتري أوتكين، من خلال الطول والوشم الذي لديه.
يذكر أن أندريه زاخاروف، الصحفي الاستقصائي الروسي ومراسل بي بي سي الروسية، كتب منشورًا على منصة إكس قبل حادثة التحطم بحوالي ساعتين، جاء فيه أن بريغوجين قد طار من أفريقيا إلى موسكو رفقة عدد من قادة فاغنر الآخرين لإطلاع الرئيس بوتين على الوضع في النيجر، وذلك بعد ساعات من ظهور بريغوجين الأول بعد تمرده في مقطع قال فيه "سنجعل روسيا بلدًا أكثر عظمة في كل القارات وستكون أفريقيا أكثر حرية"، كما أكد بوتين قبل قليل عودة بريغوجين من أفريقيا يوم أمس.
بالإضافة إلى بريغوجين، كان ركاب الطائرة المحطمة هم قادة فاغنر الآخرين ديمتري أوتكين، وسيرجي بروبوستين، وإيفجيني ماكاريان، وألكسندر توتمين، وفاليري تشيكالوف، الذي ترأس العديد من الشركات المرتبطة ببريغوجين. وشملت القائمة نيكولاي ماتوسيفيتش، الذي خدم في فاغنر منذ عام 2017. وكان على متن الطائرة أيضًا ثلاثة من أفراد الطاقم، وهم القائد أليكسي ليفشين، ومساعد الطيار رستم كريموف، والمضيفة كريستينا راسبوبوفا.
اقرأ/ي أيضًا:
يفغيني بريغوجين: علاقته بالإعلام قبل وبعد تمرّد فاغنر
بريغوجين لم يذكر أن الجزائر طلبت إرسال مجموعة فاغنر إلى الحدود مع مالي