أصبحت مراجعات العملاء جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إذ يعتمد الكثير عليها في معظم العمليات الإلكترونية عبر الإنترنت، ومراجعة العميل هي تقييم لمنتج أو خدمة. وتُعدّ مراجعات العملاء شكلًا من أشكال تعبير العملاء عن آرائهم السلبية أو الإيجابية، حول المنتجات أو الخدمات على مواقع التجارة الإلكترونية ومواقع الخدمات عبر الإنترنت.
وتكتسب المراجعات على الإنترنت مكانة قوية، كونها وسيلة مهمة نتعرف من خلالها على آراء المشترين الآخرين وتجاربهم قبل أن نقرر التعامل مع خدمة معينة أو شراء منتج محدد. وتظهر الإحصاءات أنه قبل إجراء عملية شراء، يقرأ قرابة 80% من العملاء المراجعات أو التعليقات. وتُظهر دراسات عديدة أن المستخدمين يثقون بشدة بالمراجعات وبهذا فهي تساهم بشكل كبير في اتخاذ قراراتنا عند شراء منتج أو الدفع مقابل الحصول على خدمة معينة.
إلا أن هذه المراجعات قد تكون في بعض الأحيان مزيّفة ولا تعكس الجودة الحقيقية للمنتج أو الخدمة، ويمكن أن تدفعنا لشراء منتجات لا نحتاج إليها بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تضللنا وتجعلنا نتجنب منتجات أو خدمات جيدة بالفعل. وأظهرت أبحاث أكاديمية في عام 2022 أن المراجعات المزيفة تجعل المستهلكين أكثر عرضة لاختيار منتجات ذات جودة أقل، مما يتسبب في خسارة تقريبية تبلغ نحو 0.12 دولار لكل دولار يتم إنفاقه. وهذا يعني أننا عرضة لاختيار مضلل بين الخيارات معطاة بناءً على مراجعات غير صادقة.
يهدف هذا المقال إلى شرح كيفية تقدير موثوقية المراجعات على الإنترنت، والتعرف على التقييمات المزيفة، وسنسلط الضوء على الأدوات والتقنيات المساعدة لتحقيق ذلك.
بشكل عام هناك نوعان رئيسيان من المراجعات المزيفة:
1. المراجعات الإيجابية المزيّفة
هذا النوع من المراجعات المزيفة يهدف إلى زيادة تقييم منتج أو خدمة تجارية بشكل إيجابي دون وجود أسباب حقيقية تستدعي ذلك. يتم هذا عادة من خلال منح المنتج تقييمًا مرتفعًا بعدد نجوم كبير أو كتابة مراجعات إيجابية حوله، حتى وإن كان هذا التقييم غير مستحق بناءً على مواصفات المنتج أو جودته الفعلية، مما يؤثر في تصنيف المنتج وجعله يتصدر قوائم المنتجات.
2. المراجعات السلبية المزيّفة
هذا النوع من المراجعات المزيفة يستهدف التشويه السلبي لمنتجات أو عروض تجارية قد تكون في الواقع جيدة. ويتضمن منح المنتج تقييمًا منخفضًا بعدد نجوم قليل أو كتابة مراجعات سلبية وهمية حوله، يتم ذلك عادة لأسباب تنافسية بين الشركات، أو قد تكتب هذه المراجعات من قبل موظفين سابقين ضد شركاتهم انتقامًا لطردهم أو تسريحهم مثلًا أو لأسباب أخرى.
في عام 2021 أجرت اللجنة الأوروبية وسلطات حماية المستهلك مسحًا شاملًا لمراجعات المستهلكين عبر الإنترنت للمواقع الإلكترونية في الاتحاد الأوروبي، إذ تم فحص 223 موقعًا رئيسيًا على الإنترنت لمراجعات المستهلكين. وأظهرت النتائج أن ما يقرب من ثلثي المتاجر عبر الإنترنت والأسواق الإلكترونية ومواقع الحجز ومحركات البحث أثارت شكوكًا حول صدقية المراجعات، كما اكتُشف 2 مليون و700 ألف تقييم مزيّف.
كما تقول شركة أمازون إنها في عام 2022 حظرت بشكل استباقي أكثر من 200 مليون مراجعة مزيفة مشتبه بها من متاجرها. كما أزالت غوغل في العام نفسه قرابة 115 مليون مراجعة مزيّفة. وحظر تراست بيلوت Trustpilot، وهو منتدى للتجارب والآراء الشخصية للمستهلكين أكثر من 145 ألف حساب متورط بتقييمات مزيّفة.
أساليب انتشار التقييمات المزيفة
هناك عدة أساليب تنتشر من خلالها التقييمات المزيفة على الإنترنت. أحد أهم هذه الأساليب هو شراء التقييمات، التي تباع بكثافة على مواقع خاصة على الإنترنت، إذ يُمكن للأفراد والشركات شراء تقييمات إيجابية لمنتجاتهم أو خدماتهم، وكذلك إنشاء مراجعات وهمية لزيادة جاذبية هذه المنتجات والخدمات أمام العملاء. علاوة على ذلك، يمكن شراء التقييمات السلبية بهدف تشويه سمعة منافس أو منتج أو خدمة معينة.
وتعمل بعض الشركات على بيع التقييمات المزيفة مقابل مبالغ، تدفع جزءًا منها لأشخاص يقيّمون منتجات دون أن يكونوا قد اشتروها واستخدموها بشكل فعلي. وتباع التقييمات المزيفة لشركات كبيرة مثل Booking وAirbnb، والتي تعد من أشهر مواقع حجز الفنادق والإقامة، وشركات أخرى مثل متجري Amazon وeBay، وخرائط غوغل Google Maps وتريب أدفايزر TripAdvisor.
صفقات مشبوهة تجاوزت قيود المواقع لمكافحة التقييمات المزيفة
تقول عدة شركات إنها تحارب التقييمات المزيّفة كجزء من سياستها لحماية سمعتها وعملائها، إذ تمنع بعضها الزبائن من تقديم تقييمات على خدماتها إلا إذا جربوا هذه الخدمات. ولكن ابتُكِرَت طرق احتيالية عدة للحصول على تقييمات مزيّفة من خلال تكتيكات جديدة.
في عام 2022، أجرت منظمة إيطالية تسمى "Altroconsumo" ألتروكونسومو، تحقيقًا للكشف عن التقييمات المزيفة. وكشف تحقيقهم عن عمليات تجارية سرية ناجحة لبيع التقييمات المزيفة تتجاوز قيود المواقع. فاكتشفوا وجود مواقع ومنصات تعمل كوسيط بين التجار الذين يرغبون في الحصول بسهولة على تقييمات بخمسة نجوم وبين الأشخاص الذين يكونون على استعداد لتقديم تقييمات مزيّفة مقابل حصولهم على منتجات مجانية.
تحت هذا النظام، يشتري المراجع المشارك منتجات متنوعة من عدة تجار على منصة معينة ويدفع قيمتها، وبعدها ينشر تقييمات إيجابية بخمسة نجوم لهذه المنتجات، وفي النهاية يعيد التاجر المستفيد المبلغ المدفوع للشخص المشارك بالعملية عبر موقع PayPal.
وقالت منظمة Altroconsumo أنّ المراجعات المزيّفة أصبحت تعتمد أنظمة أكثر تعقيدًا مما قد يتصور البعض، إذ يتم التعرف بسهولة على تورط مواقع عدة وقنوات على تليغرام ومجموعات على فيسبوك، تجري صفقات مشبوهة من هذا النوع.
تزييف التقييمات بات عملًا منظّمًا
نشرت صحيفة ذا غارديان تحقيقًا يشير إلى أن عمليات كتابة التقييمات أصبحت أكثر تنظيمًا من أي وقت مضى. وسردت الصحيفة تجربة شخص يعمل في كتابة التقييمات المزيّفة. وتكون مهمته اليومية كتابة مراجعات وتقييمات بخمسة نجوم، وقالت الصحيفة نقلًا عنه أنه يمتهن هذا العمل منذُ ست سنوات. ووفقًا لهذا الشخص، فإن هذه الوظيفة سهلة ومريحة ومتوفرة بشكل واسع على منصات مختلفة مثل مجموعات الفيسبوك ومواقع العمل المستقل. وتجدر الإشارة إلى أن هنالك عدة منصات عربية أيضًا تسمح للعاملين المستقلين بتقديم خدمات مماثلة.
كيفية التحقق من التقييمات المزيّفة
هناك إرشادات عامة يمكن الاعتماد عليها للتمييز بين المراجعات الحقيقية والمزيفة، ومع ذلك يجب ملاحظة أنّ هذه الإرشادات تعدّ أمثلة وقد لا تكون كافية في جميع الحالات.
الأدوات المتقدمة في فحص التقييمات
فحص التقييمات المزيفة بعناية يمكن أن يكون تحديًّا، ولكنه إجراء ضروري أحيانًا خاصة إذا ما كنا نشتري أشياء مهمة أو ذات سعر مرتفع. وتظهر نتائج الدراسات أنّ التقييمات المزيّفة غالبًا ما تمر دون اكتشافها بواسطة المستهلكين عندما لا يمتلكون الأدوات اللازمة لاكتشافها، ومع ذلك، عندما يكتسب المستهلكون بعض المعرفة حول كيفية اكتشاف هذه التقييمات المزيّفة، فإنهم يعدلون قراراتهم بالشراء. وهناك بعض الطرق والإجراءات التي يمكن أن تساعد في تحديد مدى موثوقية التقييمات على الإنترنت:
استخدام أدوات الكشف عن التقييمات المزيفة
هناك أدوات ومواقع على الإنترنت متطورة ومستقلة تقوم بفحص وتحليل التقييمات لاكتشاف المزيفة منها. يمكن استخدام هذه الأدوات للمساعدة في الكشف عن التقييمات غير الصادقة. وهنالك عدة مواقع تتيح هذه الخدمات مجانًا مثل موقع Review Meta أو موقع Fake Spot الذي يساعد في تحليل وفحص مدى موثوقية المراجعات. يمكن الدخول للموقع مباشرة، أو تثبيته كإضافة على متصفح الإنترنت.
فحص الصور المرفقة بالتقييم
إذا كانت هناك صور مُرفقة بالتقييمات، فقد يكون من الجيد فحصها بعناية. فربما تكون الصور مأخوذة من مصادر أخرى ولا تتعلق بالمنتج أو الخدمة بالفعل.
التحقق من توزيع التقييمات وتجانسها
إذا كانت جميع تقييمات المستخدم السابقة إيجابية أو سلبية للغاية، دون وجود تقييمات متوسطة، فهذا يمكن أن يشير إلى تقييمات مزيفة. التقييمات الحقيقية غالبًا ما تكون متوازنة، كما يمكن ملاحظة إذا ما كان هنالك سلسلة كبيرة من المراجعات نشرت في فترة قصيرة، أو إشارات متكررة للترويج لعلامة تجارية محددة.
البحث ضمن الحسابات المشبوهة: يمكن فحص حسابات المراجعين لملاحظة إذا ما أجروا تقييمات سابقة أو لديهم تاريخ نشاط غير منتظم في التقييم.
قراءة التقييمات بعناية
أحيانًا الاعتماد على تصنيف النجوم قد يكون غير كافٍ، بل يفضل البحث عن تفاصيل محددة وتجارب شخصية يمكن أن تساعد في تحديد مدى صدقية المراجعة، فالتقييمات العامة دون تفاصيل غالبًا ما تكون مشبوهة.
متابعة منصات التقييمات المستقلة
يمكن استغلال منصات التقييم المستقلة كفرصة للحصول على تقييمات غير متحيزة للمنتجات. فعلى سبيل المثال، يمكن الانضمام إلى مجموعات على تطبيقات مثل WhatsApp، إذ يناقش الأفراد المنتجات ويطرحون أسئلة حولها. يعدّ هذا النوع من المناقشات فرصة ممتازة للحصول على آراء وتقييمات مستقلة من قبل مجموعة من الأشخاص العاديين الذين يمكن أن يقدموا تجاربهم الشخصية والصادقة، هذه الطريقة تساهم في زيادة موثوقية التقييمات وتسهم في اتخاذ قرارات شراء أكثر استنارة.
هل من الممكن منع التقييمات المزيّفة؟
تمثّل التقييمات المزيفة تحديًا معقّدًا يصعب مواجهته كليًا من قبل الشركات والحكومات نظرًا لتزايد صعوبة اكتشافها، ويعزى ذلك جزئيًّا إلى تقدم التكنولوجيا واستخدام الذكاء الاصطناعي. بحدود بحثنا لم نعثر على قوانين طبقتها الدول العربية للحد من هذه المشكلة حتى الآن، في حين طبقت العديد من الحكومات حول العالم تشريعات تجارية صارمة تفرض عقوبات مالية على الشركات التي تنشر تقييمات مزيّفة. ففي الولايات المتحدة مثلًا، أقرت لجنة التجارة الفيدرالية (Federal Trade Commission) عقوبات مالية صارمة على الشركات التي تُنشئ مراجعات مزيّفة أو تروّج لمنتجاتها بطرق غير نزيهة عبر الإنترنت تصل إلى 50,000 دولار لكل مراجعة مزيفة، في كل مرة يراها المستهلك.
أما الشركات فتقول إنها تحاول دومًا محاربة التقييمات المزيّفة وتوظيف تقنيات جديدة لمحاربتها، إذ طورت شركة أمازون برنامج يعرف بـ Amazon Vine، وهو برنامج يقدم منتجات مجانية للعملاء الموثوق بهم بهدف الحصول على تقييمات وآراء حقيقية حول هذه المنتجات.
توظيف الذكاء الاصطناعي في مكافحة التقييمات المزيفة
يسعى باحثون إلى توظيف الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم الآلي في اكتشاف التقييمات المزيفة، فقدّم بعضهم نموذجًا جديدًا يعتمد على مكافحة التقييمات المزيفة من خلال إجراء تحليل ثنائي المصادر (مقارنة تقييمات موقع بتقييمات موقع آخر للمنتج نفسه)، وفحص معمق للكلمات المفتاحية المشكوك فيها، والاستدلال على المراجعات المزيّفة عبر رصد المحتوى النمطي والمتكرر.
وفي هذا الصدد تقول أمازون إنها طوّرت نظامًا لتحسين تجربة تقييمات العملاء باستخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم على فهم الأفكار الشائعة في التقييمات بسهولة وسرعة. هذا النظام يتيح للعملاء معرفة ما يقوله العملاء الآخرون الموثوقون حول المنتج قبل قراءة التقييمات بالكامل، بالشكل المعتاد.
كما قدم باحثون نموذجًا للمراقبة الآلية لاكتشاف التقييمات المزيفة قائم على الذكاء الاصطناعي يمكن إرفاقه ضمن برمجيات المستخدم وتطبيقه في الوقت الفعلي Real Time. ووضحت دراسة حديثة أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تفوقت بشكل كبير على الحلول التقليدية القديمة في اكتشاف المراجعات المزيّفة.
اقرأ/ي أيضًا