في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، رفعت دولة جنوب أفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة. وذكرت الدعوى التي قُدّمت لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي، أنّ إسرائيل ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الفائت انتهكت اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وارتكبت أفعالًا تهدف إلى التطهير العرقي في غزة، ولم تمنع التحريض العلني على إبادة الفلسطينيين. على إثر ذلك سارع مسؤولون لنشر ادعاءات مختلفة مفادها أن دعوى جنوب أفريقيا لا تستند إلى أي أسس صحيحة.
حملة إعلامية في مواجهة اتهام جنوب أفريقيا لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية
في الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري، علق المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي حول دعوى جنوب أفريقيا بقوله "إنّ هذه الدعوى لا أساس لها، وتؤتي نتائج عكسية، ولا تستند على الاطلاق إلى أي حقائق".
على النحو ذاته قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، إنّ الولايات المتحدة لا ترى أي أعمال في قطاع غزة تشكل إبادة جماعية.
فيما زعم المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي أنّ جنوب أفريقيا متواطئة مع حماس وقال "إن جنوب أفريقيا تلعب دور محامي الشيطان بسبب اشتراكها الإجرامي في المذبحة الأكثر دموية ضد اليهود منذ المحرقة، وسوف يحكم عليها التاريخ بلا رحمة".
وفي تاريخ الثاني من يناير الجاري، استضافت محطة i24 News، المحلل مارتن هيميل في حوار للرد على الدعوى الموجهة ضد إسرائيل، وكرر هيميل أنّ هذه الاتهامات هي بمثابة معاداة للسامية ودعاية منظمة ضد إسرائيل.
دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة لاهاي
تتكون الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا لدى محكمة العدل الدولية من 84 صفحة، مدعمة بالأدلة التي توثق ممارسات لإسرائيل تحمل طابع الإبادة الجماعية. ومحكمة العدل الدولية هي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة وتختلف عن غيرها من المحاكم كالمحكمة الجنائية الدولية التي تتعامل مع جرائم الحرب الموجهة ضد الأفراد، بينما تتعامل محكمة العدل الدولية مع القضايا التي ترفعها الدول لاتهام دول أخرى بانتهاك معاهدات الأمم المتحدة.
ووقّعت كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل على اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي اعتُمدت في عام 1948، عقب الجرائم التي ارتُكبت في الحرب العالمية الثانية. مما يجعل محكمة العدل صاحبة الاختصاص في النظر بالدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا على أساس المعاهدة.
وتُلزم الاتفاقية جميع الأطراف الموقعة ليس بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية فحسب، بل بالمعاقبة عليها أيضًا. وحسب خبراء قانونيين تكتسب دعوى جنوب أفريقيا أهمية كبيرة نتيجة وضوح الأدلة وحجمها، وكون اتهام إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية يعد تحوّلًا كبيرًا من ناحية انتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة.
اتهامات جنوب أفريقيا لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة
قدّمت جنوب أفريقيا في الدعوى أدلة واضحة على قتل إسرائيل لأعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، خاصة الأطفال، مما يجعل هذه الجرائم تتخذ طابعًا جماعيًّا، كما تضمنت الدعوى أدلة حول تدمير واسع لمنازل المدنيين وممتلكاتهم، ونفيهم وتشريدهم، وفرض حصار شامل على قطاع غزة منع وصول الاحتياجات الانسانية الأساسية، مع تدمير ممنهج للبنية الصحية الأساسية، والذي ترافق مع تصريحات تحريضية رسمية شجعت بشكلٍ علني على الإبادة الجماعية لسكان غزة خاصة من قبل المسؤولين الإسرائيليين.
وجاءت في مقدمة الدعوى إدانة واضحة من قبل جنوب أفريقيا لكافة أعمال العنف، وهو ما يتعارض مع المزاعم الإسرائيلية أن الدعوى تحتوي دعمًا أو تعاطفًا مع أي فصيل مسلح، بل تركزت الدعوى على توثيق أعمال العنف المتعددة التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين.
وعلى عكس المزاعم التي نُشرت بعدم استناد الدعوى إلى أدلة، قال فرانسيس بويل، وهو محامي دولي حقوقي نجح سابقًا في كسب طلبين لدى محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، أن جنوب أفريقيا ستنجح في كسب حكم قضائي من قِبل أعلى سلطة قانونية في الأمم المتحدة ضد إسرائيل، وذلك بعد مراجعة دقيقة أجراها للوثائق التي قدمتها جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية.
على النحو ذاته قال رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي”، إنّ الوثيقة التي قدمتها جنوب أفريقيا وأعدها خبراء في عمليات الإبادة الجماعية، تحتوي أدلة دامغة وفظيعة على ارتكاب عمليات الإبادة، والتي لا يمكن تبريرها.
وعلى الرغم من أن هذه هي المرة الأولى التي تُحاكم فيها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، إلّا أن هذا ليس التحرك القانوني الأول الذي تواجهه إسرائيل منذ بدء الحرب على قطاع غزة، فقد سبقه شكوى ضد إسرائيل قُدّمت في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن ما يميّز دعوى جنوب أفريقيا لدى محكمة العدل الدولية هو استنادها لاتفاقية منع الإبادة الجماعية التي وقّعت عليها إسرائيل.
وللمرة الأولى في تاريخها، وافقت إسرائيل على المثول أمام محكمة العدل الدولية، من أجل الطعن في الدعوى المرفوعة ضدها من قِبل جنوب أفريقيا، وسوف تُعقد جلسة الاستماع العامة في قصر السلام في مدينة لاهاي الهولندية يوم الخميس 11 يناير الجاري.
ومع اقتراب موعد الجلسة الأولى للمحاكمة تكثّف صفحات إسرائيلية نشرها مقاطع فيديو تظهر مشاهد معاملة غير إنسانية للمدنيين في غزة، منها بث اعترافات قسرية لمجموعة من المدنيين العراة، ومقاطع أخرى تحمل طابع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، مثل احتفالات لجنود إسرائيليين رافقت أعمال القصف والتدمير الذي ينفّذها الجيش الإسرائيلي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ دولًا عدة أيّدت الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل منها الأردن، كما أعلنت بوليفيا مؤخرًا تأييدها للدعوى كأول دولة في أميركا اللاتينية، كما دعمت الخارجية الماليزية قرار جنوب أفريقيا برفع الدعوى وقالت بأنه "خطوة ملموسة" نحو المساءلة.
وبالرغم من أن النظر في مثل هذه الدعاوى قد يأخذ فترات طويلة قد تمتد لسنوات، إلا أنّ الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا تتضمن طلبًا من المحكمة الدولية بأن تصدر أوامر عاجلة تلزم إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في قطاع غزة. وإذا ما صدر حكم ضد إسرائيل من قبل محكمة العدل الدولية فإن ذلك من شأنه أن يضرّ بسمعتها دوليًا ويشكل سابقة قانونية.
وتشنّ إسرائيل عملية عسكرية واسعة على قطاع غزة منذُ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الفائت، وقد أودت حتى اليوم بحياة ما يزيد عن 23 ألف شخص وإصابة أكثر من 58 ألف، معظمهم من النساء والأطفال وسط اتهامات بتنفيذها عمليات للإبادة الجماعية.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية مؤخرًا في بيان لها، إنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت 17 مجزرة في قطاع غزة راح ضحيتها 249 شخصًا وخلّفت 510 جرحى خلال الـ24 ساعة الماضية. فيما قال المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، إنّ المجاعة والجفاف والأوبئة شكلت مثلث الموت الذي يحاصر 1.9 مليون نازح في أماكن الايواء داخل قطاع غزة.
اقرأ/ي أيضًا
رغم الحقائق والأرقام.. حسابات تدعي تزييف موت الأطفال في غزة
مؤشرات تدل على مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن مجزرة شارع الرشيد