عندما أعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، حديثًا، أنّ 125 ألف مُصلٍّ أدوا صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان في المسجد الأقصى، قادت حسابات إسرائيلية حملة دعائية زعمت أنّ الاحتلال يسمح، خلال شهر رمضان، للمسلمين عامة بأداء صلواتهم في المسجد الأقصى، بسهولة وأمان وبحرية ودون معوقات. يتحرى هذا المقال مدى دقة تلك المزاعم الإسرائيلية.
مزاعم إسرائيلية مضلّلة عن ضمان الاحتلال للمسلمين حرية ممارسة شعائرهم الدينية
قالت شرطة إسرائيل، عبر حسابها الناطق بالعربية على منصة إكس، إنّ عشرات الآلاف من المصلين توافدوا على المسجد الأقصى، في الجمعة الثالثة من شهر رمضان، وأنّ قواتها عملت على حفظ النظام العام في أرجاء البلدة القديمة وتسهيل وصولهم المصلين إلى المسجد.
ونشر حساب إسرائيل بالعربية مقطع فيديو يُظهر إقبال المصلين على المسجد الأقصى، وادّعى أنّ إسرائيل تضمن حرية ممارسة الشعائر والصلوات لأبناء جميع الأديان.
ونشر حساب هدى جنات الداعم لإسرائيل مقطع فيديو على منصة إكس، جاء فيه أنّ 120 ألف فلسطينيّ تمكنوا من الصلاة في القدس تحت حماية رجال الشرطة والجيش الإسرائيلية، وأنّه لم تسجّل أيّ اشتباكات ولو لفظية.
رصد مسبار هذه الادعاءات ووجد أنّها مضلّلة، إذ فرض الاحتلال الإسرائيلي شروطًا معقدة لتمكين الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان. كما نشر عددًا كبيرًا من الحواجز لإعاقة وصولهم إلى القدس، وحرم عددًا منهم من دخول المسجد الأقصى للصلاة، كما اعتدى على بعض المصلين.
الاحتلال يفرض شروطًا معقدة لدخول المسجد الأقصى
كانت استعدادات الاحتلال لشهر رمضان قاسية على الفلسطينيين، فعلى الرغم من تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنّ أعداد المصلين في المسجد الأقصى لن تقلَّ عمّا كانت عليه في السنوات الماضية، فرض وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير المزيد من القيود على حرية العبادة والصلاة في المسجد الأقصى.
أصدرت إسرائيل، قبل شهر رمضان، قرارًا ينظّم دخول سكان الضفة الغربية إلى القدس الشرقية، لأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى. وبموجب القرار، لا تسمح سلطات الاحتلال الإسرائيلية بالصلاة في المسجد الأقصى سوى للحاملين للتصاريح من النساء اللواتي تتجاوز أعمارهن 50 سنة والأطفال الذكور دون سن العشر سنوات والرجال الذين تفوق أعمارهم 55 سنة.
ولم يتوقّف الأمر عند ذلك الحد، إذ منعت قوات الاحتلال بعض فلسطينيي الضفة المستوفين لجميع تلك الشروط من أداء صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان في المسجد الأقصى.
أخبر الفلسطيني سلامة عبد القادر، البالغ من العمر 60 سنة، وكالة الأناضول أنّه مُنع من دخول مدينة القدس رغم من حصوله على تصريح للصلاة. وقال عبد القادر إنّ الاحتلال أبلغه في رسالة فجر يوم الجمعة، 30 مارس/آذار الفائت، بمنعه من دخول القدس بحجة أنّه ناشط في منظمة إرهابية.
تطويق الأقصى والتحكم في الطرق المؤدية إليه
مع بداية شهر رمضان، شرع الاحتلال في تعزيز انتشاره قواته في القدس، فأنشأ ستائر حديدية على أبواب المسجد الأقصى، كما نشر عددًا من ضباط وعناصر الشرطة المسلحين فوق قبة الصخرة.
وبالإضافة إلى التضييق الممارس ضد المصلين على أبواب المسجد الأقصى وإجراءات التثبت من الهوية المعقدة، يتم الاعتداء عليهم عند دخولهم وخروجهم من المسجد.
وعلى عكس ما تروج له الحسابات الإسرائيلية، تعمّد الاحتلال خلال الجمعة الثالثة من شهر رمضان هذه السنة، منع الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى والصلاة فيه. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي شهادات وثّقت حالات حرمان فلسطينيين حاملين للتصاريح من الوصول إلى المسجد وأداء صلاة الجمعة فيه.
ومن بين تلك الشهادات، ما نقلته شبكة القدس الإخبارية عن شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، منعته قوات الاحتلال من الوصول إلى المسجد الأقصى. كما شاركت الشبكة مقطع فيديو ظهر فيه فلسطيني مبتور القدم يبكي أثناء محاولته عبور حاجز قلنديا والوصول إلى المسجد.
وإثر التضييق انتشرت مشاهد لفلسطينيين ممن مُنعوا من دخول المسجد الأقصى وهم يؤدّون صلاة الجمعة الثالثة من رمضان أمام الحواجز العسكرية، في أقرب الشوارع والطرقات التي استطاعوا الوصول إليها من المسجد الأقصى.
دعوات للاعتكاف في المسجد الأقصى حتى نهاية رمضان
مع دخول الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان، دعا الشيخ عمر الكسواني، مدير المسجد الأقصى، الفلسطينيين إلى الاعتكاف في المسجد حتى نهاية شهر رمضان. كما دعى إلى تكثيف الإقبال في الجمعة المقبلة، التي ستتزامن مع إحياء ليلة القدر، وحث المصلّين على الإصرار على تجاوز العراقيل التي يضعها الاحتلال أمامهم.
التضييقات الإسرائيلية تشمل الفلسطينيين المسيحيين
بينما احتفل المسيحيون في جميع أنحاء العالم بعيد الفصح بحرية، اعترضت الفلسطينيين المسيحيين قيودٌ صارمة عند محاولتهم دخول البلدة القديمة في القدس للاحتفال بالمناسبة، التي تزامنت هذه السنة مع الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ السابع أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأحيت الطوائف المسيحية الفلسطينية التي تتبع التقويم الغربي يوم "الجمعة العظيمة" في مدينة القدس المحتلة، وسط قيود وإجراءات عسكرية إسرائيلية مشددة، على الحواجز المحيطة بالمدينة وفي محيط البلدة القديمة.
وتمنع سلطات الاحتلال الفلسطينيين المسيحيين من سكان الضفة الغربية من الوصول إلى القدس، إلا بتصاريح خاصة وبأعداد محدودة، فيما يتجنب السياح الأجانب الوصول إلى المنطقة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
المستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في رمضان
اقتحم عددٌ من المستوطنين صباح الأحد، 24 مارس الفائت، باحات المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال، في أول أيام عيد "المساخر البوريم" اليهودي. وأفادت دائرة الأوقاف الإسلامية، أنّ اقتحام المستوطنين أتى من جهة باب المغاربة، وأنّ مستوطنين متطرفين من جماعات المعبد دخلوا متنكّرين بزي "كهنة المعبد" تكريسًا للحضور المتطرف في الأقصى. وقام المستوطنون بجولات استفزازية في باحة المسجد، كما أدوا طقوسًا تلمودية، تحت حماية شرطة الاحتلال، التي طردت المعتكفين بعد صلاة التراويح لليلة 25 مارس 2024، ثم قلّصت عدد المسموح لهم بالدخول لأداء صلاة الفجر.
اقرأ/ي أيضًا
الدعاية الإسرائيلية تطاول مسيحيي فلسطين في عيد الميلاد
فيديو المصلين في المسجد الأقصى الذين يقسمون على حمايته قديم وليس من رمضان الجاري