دعا رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى إثارة تتبعات قضائية ضد أطراف لم يسمّها، قال إنها تقف وراء قطع الماء والكهرباء في عدد من المحافظات التونسية بهدف تأليب الرأي العام.
وأضاف الرئيس التونسي خلال لقاء جمعه بوزير الداخلية خالد النوري، بتاريخ 18 يوليو/تموز 2024، أنّ قطع المياه بشكل متكرر يتم تبريره بكون شبكات توزيع المياه مهترئة، واصفًا ذلك بـ "غير المقبول".
وجاءت تصريحات سعيّد عقب تسجيل تشكيات وتحركات احتجاجية لمواطنين في عدد من المحافظات والمدن التونسية، بسبب تكرار انقطاع المياه الصالحة للشرب والذي يتواصل أحيانًا لأيام، وذلك بالتزامن مع ارتفاع لافت في درجات الحرارة.
تعيش تونس على وقع موجة جفاف غير مسبوقة امتدت لـ5 سنوات متواصلة، تسببت في انحباس الأمطار وتراجع مخزون المياه وجفاف السدود والبحيرات الجبلية، وهو ما دفع السلطات إلى إقرار العمل بنظام تقسيط المياه.
ففي شهر مارس/آذار 2023، أقرت وزارة الفلاحة التونسية العمل بنظام حصص ظرفي والمنع الوقتي لبعض استعمالات المياه في تونس، وأرجعت الوزارة هذا القرار إلى "تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود ما انعكس سلبًا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق وكذلك التأثيرات السلبية على تغذية الموائد المائية الجوفية وتدني مستوى منسوبها".
وقالت الوزارة حينها، إنه يُمنع استعمال المياه الصالحة للشرب الموزعة عبر شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، للأغراض الفلاحية وسقي المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسل السيارات.
وكان من المفترض أن يتمّ العمل بهذا الإجراء الذي تم اعتماده لأول مرة في تاريخ البلاد من نهاية مارس/آذار إلى نهاية سبتمبر/أيلول 2023، غير أنّ الوزارة قررت عقب انتهاء هذه المدة تمديد الإجراء إلى أجل غير مسمى، وذلك بالتزامن مع تواصل انحباس الأمطار بالبلاد.
ومنذ اعتماد نظام تقسيط المياه، تقوم الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه بقطع الماء الصالح للشرب خلال ساعات الليل في محافظات تونس الكبرى والمحافظات الساحلية، بالإضافة إلى قطعه في محافظات أخرى لأيام.
الجفاف يفرض مواصلة العمل بنظام تقسيط المياه
قال مدير عام الهندسة الريفية واستغلال المياه بوزارة الفلاحة، عبد الحميد منَجة في تصريح لإذاعة "إكسبراس" (محلية)، بتاريخ 5 إبريل/نيسان 2024، إنه سيتم مواصلة العمل بنظام تقسيط المياه الصالحة للشرب وتحجير استعمالها في عدة مجالات، في ظل التغيرات المناخية الحاصلة.
وأوضح أنّ نظام تقسيط المياه جنب البلاد الوصول إلى كارثة مائية أي الوصول إلى مرحلة صفر مياه، مشيرًا إلى أنّ نحو 80 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى لم يتم سقيها، وأنّ 99.9% من المياه توجهت إلى المياه الصالحة للشرب.
من جهته، قال الرئيس المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أحمد صولة (تمت إقالته لاحقًا)، إنّ تواصل العمل بنظام الحصص في توزيع مياه الشرب مكن من الاقتصاد في الماء بنسبة 7% من إجمالي الاستهلاك اليومي للمياه في تونس.
وأكد صولة، في حوار له مع إذاعة موزاييك (محلية) مطلع مايو/أيار الفائت، أن الموازنة المائية في تونس هشة، وأنه يتم إنتاج 800 مليون متر مكعب من مياه الشرب يوميًا يتم توزيع 702 مليون متر مكعب منها بشكل يومي عبر 77% من طاقة تشغيل الشبكة.
وأشار إلى أنّ استهلاك المياه في فصل الصيف يرتفع بنسبة 1.8% عن معدلات لاستهلاك العادية، مؤكدًا أنّ المائدة المائية العميقة في بلاده تأثرت بشكل كبير بالتغيرات المناخية. وأوضح أنّ تواصل العمل بنظام تقسيط المياه في تونس خاضع لتحسن مخزونات المياه ما بعد الصائفة المقبلة، وفقه.
تونس: أزمة مائية فاقمتها التغيرات المناخية
أكد المرصد التونسي للفلاحة أنّ كميات الأمطار المسجلة من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى يونيو/حزيران 2024، بلغت بكامل البلاد نحو 104.3 متر مكعب، مؤكدًا أن هذه النسبة تعتبر ضعيفة نسبيًا، مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، وأنّ العجز يتراوح بين 28% و50%.
من جهته، كشف تقرير صادر عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مطلع سنة 2024، أنّ تونس تعدّ من بين البلدان الفقيرة مائيًا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، وأيضًا جراء الاستغلال المفرط للمياه في قطاعات غير حيوية وغياب استراتيجية واضحة من قبل الدولة للحد من استنزاف الماء وإيجاد حل مستدام لأزمة المياه.
ووفق التقرير ذاته، يُقدر معدل استهلاك الفرد الواحد للماء في تونس بـ420 متر مكعب للفرد في السنة، معتبرًا أنّ هذا المعدل أقل من معدل استهلاك الفرد في منطقة الشرق الأوسط وباقي دول شمال أفريقيا والمقدر بحوالي 550 متر مكعب، وكذلك أقل بكثير من المعدل العالمي الذي توصي به المنظمة العالمية للصحة والمتراوح سنويًا بين 700 متر مكعب و900 متر مكعب.
وأشار التقرير إلى أنّ تونس تصنف من بين الدول التي تقع تحت خط الشح المائي والتي نصيب الفرد فيها من المياه أقل من 500 متر مكعب في السنة، بينما تحدد المعايير الدولية المعدل العالمي للفقر المائي بأقل من 1000 متر مكعب للفرد في السنة.
وأكد التقرير أنّ السدود في تونس تفقد كل سنة نحو 22 مليون متر مكعب من قدرتها التخزينية بسبب الترسبات وضعف الصيانة، وخاصة السدود التي تقوم بتزويد المياه الصالحة للشرب مثل سد سيدي البراق والذي بلغ حجم مياهه المهدورة في البحر منذ إنشائه سنة 2002 وإلى غاية 2016 حوالي 3.5 مليار متر مكعب.
بينما تقدر نسبة المياه المهدورة داخل شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أكثر من 24%، وتصل في بعض المناطق إلى 30% نظرًا لتقادم الشبكة واهترائها، بالإضافة الى ارتفاع نسب الترسبات.
وخلص التقرير إلى أنّ أزمة المياه في تونس هي نتيجة لتواتر السياسات والخيارات المتعلقة بمجال المياه منذ الثمانينيات، وذلك نتيجة الاعتماد على نموذج فلاحي يدعم الزراعات التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، مثل القوارص والبطيخ والطماطم. وأوضح أن هذه السياسة نتج عنها نقص كبير في مياه الشرب وارتفاع أسعار المواد الفلاحية وهو ما يهدد الأمن الغذائي في تونس.
خارطة العطش في تونس: انقطاعات متكررة واحتجاجات متواصلة
أظهرت خارطة العطش الذي ينشرها المرصد التونسي للمياه شهريًا بعنوان "خارطة العطش في تونس"، أكثر من رصد أكثر من 500 انقطاع غير معلن للمياه واضطرابات في توزيع المياه الصالحة للشرب، في شهري مايو ويونيو 2024. وتم في شهر مايو 2024، رصد 201 تبليغًا حول انقطاعات غير معلنة واضطرابات في توزيع المياه الصالحة للشرب، ما دفع المواطنين إلى تنفيذ نحو 18 تحركًا احتجاجيًا في بعض المناطق.
كما تم في شهر يونيو الفائت، رصد 350 تبليغ منها 262 تبليغًا عن انقطاع غير معلن واضطراب في توزيع المياه الصالحة للشرب في تونس، إضافة إلى تسجيل 19 تحركًا احتجاجيًا للمطالبة بالحق في الماء.
المرصد التونسي للمياه يستنكر تبني السلطة نظرية المؤامرة
قال المرصد التونسي للمياه إنه سجل يوم 21 من الشهر ذاته، 68 تبليغًا لانقطاع المياه في عديد المناطق المختلفة من الجمهورية التونسية، إضافة إلى رصد 50 انقطاعًا آخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بالتزامن مع درجة حرارة تراوحت بين 40 و46 درجة مئوية.
واعتبر المرصد في بلاغ له بتاريخ 22 يوليو 2024، أنّ "الاضطرابات في توزيع المياه تأتي وسط خطاب رسمي للسلطة السياسية ينفي سردية ندرة المياه والنقص الحاد والملحوظ في الموارد المائية ويتبنى نظرية المؤامرة مستعملاً نموذج التهم التلفيقيّة للهروب من المسؤولية".
وأوضح المرصد أن نسبة امتلاء السدود بلغت بتاريخ 21 يوليو 27.2%، وهو “ما يفسر الوضعية الحرجة لمواردنا المائيةً، وحدود الحلول المعتمدة والمتمثلة في دخول محطة تحلية المياه بصفاقس المرحلة التجريبية”.
كما دعا إلى ضرورة إيجاد حلول طارئة وجذرية لمشكل انقطاع الماء، ودعم الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بالإمكانيات المالية والتقنية والبشرية اللازمة لمواجهة أزمة انقطاع المياه هذه الصائفة، واتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تصدير المياه من طرف الشركات الفلاحية المستنزفة للموارد المائية.
اقرأ/ي أيضًا
هل ساهم المرسوم 54 في مكافحة الإشاعات والحدّ من انتشارها في تونس؟
هل سيتمّ الرفع في الأجر الأدنى المضمون في تونس إلى 1200 دينار مطلع عام 2025؟