تأخذ الأخبار والمعلومات الزائفة توجّهاً مختلفاً عندما ترتبط بالأيديولوجيا، إذ توظّف هذه الأخبار والمعلومات الزائفة لدعم هذه الأيديولوجيا والترويج لها لتتحول هذه إلى الرواية التي يتبنّاها حاملي هذه الأيديولوجيا. وتعتبر الأيديولوجيا الصهيونية من أبرز الأمثلة على العلاقة التكاملية بين الأيديولوجيا والبروبغندا وبين الترويج للرواية الإسرائيلية مستغلّة جميع أدواتها الإعلامية والسياسية والشعبية للتحريض ضد الفلسطينيين ومحو تاريخهم ومعاناتهم وصراعهم اليومي ضد الاحتلال وسياساته. وتجدر الإشارة الى أبرز استعمال للأخبار الزائفة وفق تعريفها الحديث، والتي برزت بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، تمثل بنشر مقطعٍ مصوّرٍ لرئيس حكومة دولة الاحتلال وزعيم حزب "الليكود" الصهيوني بنيامين نتنياهو، وإرسائل رسائل نصية مضمونها أن "حكم اليمين معرّض للخطر...المصوّتون العرب يتدفّقون بأعداد كبيرة لصناديق الاقتراع وأن الجمعيات اليسيارية توفّر لهم حافلات للتنقّل". أصدر هذا التصريح ضجّة كبيرة لما يحمله من معلومات كاذبة ومن تحريضٍ ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 في سياق حملة انتخابية.
تزداد وتيرة انتشار الأخبار الزائفة خلال الحملات الانتخابية الإسرائيلية، فما ميّز الانتخابات الثلاثة الفائتة والتي جرت خلال أقل من عامٍ واحدٍ، بالتنافس الشديد بين الأحزاب الصهيونية وترويج الشائعات والأخبار الزائفة عن بعضها البعض ولكنّها تميّزت ببث الإشاعات والتحريض ضد الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم في قطاع غزّة والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948. قبل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية ال-21 في مارس/آذار في العام الفائت وبعد إقرار قانون القومية العنصري، نشر نتنياهو في خضم الحملات الانتخابية في حسابه على موقع تويتر تغريدةً صرّح بها إن: "إسرائيل دولة الشعب اليهودي فقط"، وربّما يجسّد هذا التصريح العلاقة المتداخلة بين أيديولوجيته الصهيونية المبنية على محو الرواية الفلسطينية ومحو الكيان الفلسطيني وتاريخه وأحقيته بأرضه، وبين الأكاذيب والمعلومات الكاذبة لتحقيق ذلك.
استمرّ نتنياهو ببث الأخبار الزائفة عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 في انتخابات سبتمبر/أيلول من العام الفائت، إذ نشر مقطعاً مصوّراً في صفحته على موقع فيسبوك يدعو من خلاله المجتمع الإسرائيلي للتصويت لحزبه قال من خلاله إن نسب التصويت في البلدات الفلسطينية مرتفعة بينما نسب التصويت في البلدات اليهودية التي تصوّت لحزب الليكود متدنية، وتحدّث عن دور السلطة الفلسطينية وتشجيعها للفلسطينيين في الداخل على التصويت للأحزاب الفلسطينية من أجل إفشال نتنياهو، فلم تستند هذه التصريحات على معلوماتٍ ومعطياتٍ حقيقية ولم تكن جزءاً من حملة انتخابية ضد منافسه على رئاسة الحكومة، إنما استهدفت الفلسطينيين بشكلٍ مباشر بهدف التحريض ضدهم مستغلّةً الإجماع الصهيوني لدى غالبية المجتمع الإسرائيلي.
تضمّنت دعاية نتنياهو التحريضية عند عرضه لإنجازات حكومته وبث الأخبار المضللة لكسب تعاطف عند تطرّقه لصفقة القرن والخطط الإسرائيلية بضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميّت، إذ كشفت عدّة مواقع إخبارية عن عدم نيّة نتنياهو بتنفيذ الخطة وأن الترويج لها يقع في سياق حملته الانتخابية فقط. واستمرّت حملته الانتخابية في يوم الانتخابات بالتحريض على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عن طريق نشر الإشاعات والأكاذيب لخفض نسبة التصويت في البلدات العربية عن طريق بث الإشاعات عن تزييف الفلسطينيين لنتائج الانتخابات ممهّداً بذلك لخطته بمراقبة في صناديق الاقتراع الموجودة في البلدات العربية لضرب تمثيلهم ورفع التصويت في البلدات اليهودية.
أما في انتخابات مارس/آذار من العام الجاري، فاتخذ كذب نتنياهو وحزب الليكود شكلاً مختلفاً، بعد أن استثمر في التحريض على الفلسطينيين في الداخل في حملاته الانتخابية السابقة حاول أن يكسب رضاهم وأن ينشر الأكاذيب والمعلومات المضللة عن وهم المساواة عن طريق عقد مؤتمر انتخابي في إحدى البلدات الفلسطينية والتحريض على القائمة العربية المشتركة في البرلمان الإسرائيلي، لكنّه استُقبل بقاعةٍ فارغةٍ ومظاهرة تستنكر محاولاته وتصفها "بنشر الأكاذيب".
فبينما لا تعتبر الأخبار الزائفة في سياق الحملات الانتخابية بأمرٍ جديد، بعد الكشف عنها في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عام 2016 والاستفتاء العام في المملكة المتحدة عن اتفاقية "بركزيت"، نجد دوراً مختلفاً للأخبار الزائفة عندما تتفاعل مع الأيديولوجيا الصهيونية المبنية على العنصرية ضد الفلسطينيين، نزع الشرعية عنهم والتحريض عليهم.
المصادر: