` `

الموت على أبواب الجنة": قصة جثة على شاطئ الزهراء"

عائشة غربي عائشة غربي
سفر
25 أغسطس 2020
الموت على أبواب الجنة": قصة جثة على شاطئ الزهراء"
التقطت الصورة منذ عشرين عاماً وعرفت حملة تشكيك كبيرة كما اتهمت بالتضليل (فيسبوك)

انتشرت حديثاً، على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لشاطئ يجلس فيه زوجان تحت مظلة، وعلى بعد أمتار منهما، رجل ملقى على الرمل، دون حركة، وسط تجاهل تام. وأرفقت بتعليق "هذه الصورة التقطت من طرف مصور إسباني يدعى خافيير بولوز، تظهر مشهداً صادماً لجثة مهاجر ألقت بها أمواج البحر على شاطئ بمدينة طريفة الإسبانية، كان قد حاول عبور البحر الأبيض انطلاقاً من المغرب نحو الجنوب الأوروبي، فيما يظهر شخصان يواصلان يومهما بشكل عادي".

وذكر التعليق أن المصور اختار "لا مبالاة الغرب" عنواناً للصورة، نظراً للمستوى الذي وصلت إليه الإنسانية عبر العالم، بتلقي مثل هذه المشاهد الأليمة بنظرة عادية، في “محاولة لتكريس الفكرة عبر بعض من وسائل الإعلام، التي تشتغل بلا ضمير أو بتجاهل لمثل هذه المواضيع”.

وبحسب الخبر المتداول، اختارت صحيفة ذا نيويورك تايمز الأميركية، نشرها على صدر صفحتها الأولى، في حين لم يظهر لها أثر في أشهر الصحف والمواقع الإخبارية بالدول المغاربية والشرق أوسطية، رغم أنها دول عبور ومصدر للهجرة غير النظامية.

وبالبحث عن الصورة وأصلها، وجد "مسبار" أنها تعرضت لانتقادات وتشكيكات كبيرة منذ نشرها للمرة الأولى واتُهم صاحبها بالتضليل وتجاوز أخلاقيات المهنة.

بالعودة إلى السياق التاريخي والإطار المكاني، تبين أنها صحيحة، التقطها المصور الإسباني خافيير بولوز عام 2000 في شاطئ "الزهراء" على بعد 100 كلم شمالي منطقة طريفة.

ونشرت في تقرير مصور يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول في العام نفسه، في مجلة La Vanguardia الإسبانية، وفي 10 يوليو/تموز 2001 نشرتها صحيفة ذا نيويورك تايمز.

3.PNG
117999091_2927672414126599_2972713383727430751_n.jpg

ومن العناصر المضللة المنسوبة في الادعاء، العنوان المتداول، إذ أنّ خافيير لم يعنونها "لامبالاة الغرب"، بل "الموت على أبواب الجنة".

وبدأ الجدل في علاقة بالصورة مع الصحفي الإسباني، أركادي إسبادا، الذي كرس عدة صفحات من كتابه Diarios لإثبات أنه تم التلاعب بها بالتقاطها في وضع يعزل الشخصيات الأخرى الموجودة، من ضباط شرطة وأطباء وموظفي المساعدة والمتفرجين والسباحين. وأكد أن زاوية العدسة التقطت الجثة على مقربة مزيفة.

وذكر أنّ نشرها في صحيفة ذا نيويورك تايمز، ليس إلا تضخيمًا لكذبه، وأنه لو أخذ صورة أكثر اتساعاً لما عكست الصورة اللامبالاة تجاه الرجل الميت. كما وصفة بصياد الجثث.

فيما دافع عنها نائب مدير ملحق صحيفة كاتالان، Josep Carles Rius ،في 2 مارس/آذار 2003، في إحدى عشرة صفحة.

وكتب "لم تلتقط الصورة بعدسة تشوه الواقع ويمكن لأي خبير في التصوير الفوتوغرافي تقديرها بالعين المجردة. الفِرق التي أزالت الجثة لا تظهر في الصورة لأنها استغرقت ساعات للوصول، أما الأطباء والمحامون فلم يحضروا.

ونقل شهادة بولوز التي وثقها في تقريره، وفيها أنّ القضاة وفرقة الطب الشرعي توقفوا عن إزالة الجثث لفترة طويلة، وأنّ طريقة انتشال الجثث تُذكر "رئيس الحماية المدنية في طريفة، رودريغو سيرانو، بتنظيف مكان ملوث".

Capture.PNG

وقدّم صوراً أخرى وصفها بالمروعة لحركة الحرس المدني بين توابيت الضحايا، بينما يلعب السباحون بالمجارف على الشاطئ، لأنه من الطبيعي بالنسبة إليهم رؤية مهاجرين ميتين.

وقال ريوس، "التقط خافيير بولوز بطريقة موضوعية للغاية مأساة تكررت على الشواطئ المجاورة للمضيق، لم يوثقها أحد من قبل بهذا العمق".

وفي عام 2003، علق الكاتب العالمي جوزيه ساراماغو على الموضوع قائلًا "خافيير بولوز مذنب فقط لارتكاب جريمة واحدة: وهي الاعتقاد بأن المرء يمكن أن يكون غير ذلك".

6.PNG

في تقريره عن قصة الصورة، تحدث خافيير بولوز، عن استقبال عشرات المهاجرين من جنوب الصحراء من قبل أهل طريفة "الطيبين"، تضامن معهم الشباب والكبار والصيادون والطلاب والمتقاعدون. من ناحية أخرى، لم تعطهم الحكومة الإسبانية بطانية واحدة، وحين قبضوا عليهم، تُركوا لساعات على الأرض "وكأنهم كلاب غارقة في الماء" بعد رحلة عبور مضيق جبل طارق محشورين في قارب.

يصف خافيير المشهد، حين بدأ بالتقاط صور لأحد المهاجرين، الذي يرقد على الأرض شاكراً إلهه على بقائه حيًّا. كان يوثق لحظة النجاة حتى رنّ هاتفه: "يوجد جثة على شاطئ الزهراء".

يقول إنه ترك كل شيء، وذهب حيث الجثة على بعد 20 كلم “اختلطت صورتان في رأسي: رجل جاثم على ركبتيه يشكره على حياته وصورة رجل ميت على الرمال. وصلت إلى الشاطئ حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر، وجدته مليئاً بالمظلات، والناس مستمتعون، لا أرى الجثة ولا الحراس ولا سيارة إسعاف ولا أي حركة غريبة".

في زاوية أخرى، وجد كاميرا قناة تلفزيونية، وزميلًا آخر يلتقط الصور وصحفيان معهما دفاتر ملاحظات، ثم رأى زوجين يجلسان تحت مظلتهما والجثة ملقاة على بعد أمتار قليلة منهما.

"ما زلت ألهث حين التقطت الصور 32 و33 و34، فيها مظلة وجسد المهاجر في الخلفية"، يروي خافيير اللحظات التي أرّخت لصورة مازال الجدل حولها متواصلاً بعد حوالي 20 عاماً.

وأضاف “أمشي نحو الجثة وفكرة واحدة في رأسي: يمكننا رؤية الرجل الميت والشاطئ مليء بالناس يستمتعون. نحن وهم في نفس المكان ولكن في عالمين مختلفين. يواصل الناس حياتهم على الشاطئ، يسبحون، ويقفون بلا حراك، والأطفال منتشرون على الشاطئ، فقط عدد قليل منهم، خمسة أو ستة، يعلقون على المأساة”.

على بعد أمتار قليلة، حاول المصور الإسباني الاقتراب من الجثة لكن منعه الحارس المدني، ما دفعه  لتسلق الصخور. وبقي يصور زوايا مختلفة للحادثة.

2.PNG

في النهاية لم يتعرف أحد على الجثة، التي لم تكن تحمل أي وثائق، لتنتهي حياته مجهولاً على شاطئ استمرت فيه الحياة كأنّ شيئا لم يكن.

قضّى خافيير وفق ما دونه في شهادته، حوالي أربع ساعات على "شاطئ المأساة" وأربعين يوماً أخرى لتوثيق ما يحدث في طريفة.

وحصل بفضل الصورة على جائزة Godó للتصوير الصحفي عام 2001. وهي ليست الجائزة الأولى لخافيير في علاقة بمواضيع الهجرة وحقوق الإنسان. إذ يعدّ أول مصور إسباني يحصل على جائزة بوليتزر، عام 1996 إلى جانب زملائه من وكالة أسوشيتد برس، تقديراً لعملهم الصحفي في رواندا. وحصل على جائزة الصحافة وحقوق الإنسان عام 2008.

وبعدها بعامين، أسس موقع Periodismo Humano، المساند للقضايا الإنسانية.

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة