الأفكار الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي "مسبار".
رئيس الأخبار الزائفة -المنتهية ولايته
أسفرت الأخبار المغلّفة بروح العنف والتمرد التي دعا إليها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، في حسابه على "تويتر" عن مقتل خمسة أشخاص بعد اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول الأميركي يوم 6 يناير/كانون الثاني الجاري. وكان الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن تولى مهام منصبه رسميًا في ظروف استثنائية، حيث أقيمت المراسم في ظلّ استعدادات أمنية كثيفة. وفي بيانه، حسبما ذكرت فرانس برس، ذكّر بايدن بأن أعمال العنف الدموية التي نفذها حشد من أنصار ترامب حين اقتحموا الكابيتول وعاثوا فيه خرابًا هي "هجوم إجرامي مخطط له ومنسق نفذّه متطرفون سياسيون وإرهابيون محليون حرّضهم ترامب على هذا العنف" وأن ما حصل "كان تمردًا مسلحًا ضد الولايات المتحدة. ويجب محاسبة المسؤولين عنه".
الظاهرة الترامبية
لم تعد الديمقراطية على مستوى العالم الغربي في مأمن تام بعد صعود الخطاب المتعالي وعودة الفكر الشعبوي العنصري المنادي بتفوّق الجنس الأبيض، ومع وجود ساسة انتهازيين يستطيعون حشد الغوغاء مستخدمين فزاعات من قبيل المهاجرين، وذوبان العرق الأبيض بين الأعراق الأخرى، وظاهرة انتشار الدين الإسلامي الواسع على حساب الأديان الأخرى.
دونالد ترامب الذي يمكن وصفه بكاليجولا أميركا، أنموذجٌ لشكل الدكتاتور المتشبث بمقاليد الحكم والهيمنة، والذي يرى -ليس في أحلامه فحسب- أنّ على الجميع الخضوع لتلك الهيمنة، أفراد ومؤسسات ودول. ولا دخولًا لمعترك الحياة السياسية يليق بترامب أكثر من فضيحة بيانات "فيسبوك-أنالتيكا كامبريدج" ودورها في حسم الانتخابات الأميركية لصالح ترامب، من خلال سحب بيانات الناخبين الشخصية ودراسة سلوكهم النفسي للتأثير في قرارهم الانتخابي.
ثم لم يكن عليه -أي ترامب- سوى استخدام موقع ذي شعبية عالمية كموقع تويتر سلاحًا فتاكًا لتمرير الأخبار الزائفة وتصعيد الخطابات التي لم تخلُ من العنصرية والتحريض بشكلٍ علنيّ على منافسيه في الانتخابات. خصوصًا في الفترة الأخيرة، عندما وجّه سيلًا من الادعاءات والمعلومات التي لا دليل على صحتها في تزوير الانتخابات الأخيرة مع منافسه جو بايدن.
ولكن، في سابقة خطيرة، تُغلق حسابات الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، بعد يومين من اقتحام مناصريه مبنى الكونغرس. ما دفع ترامب إلى مهاجمة وسائل الإعلام والتي وصفها في العديد من المناسبات أنها آلة تزييف وعدوة للشعب. كما وتمّ إغلاق أكثر من 70 ألف حساب على "تويتر" يروّج أغلبها لمحتوى يعود إلى جماعة "Q Anon" الأميركية اليمينية التي بدورها تنشر الأخبار المضللة ونظريات المؤامرة. لتبدأ التقارير والمؤتمرات الصحفية بالظهور وسط مخاوف من سطوة عمالقة التواصل الاجتماعي على العالم.
بين حرية الرأي والتعبير والتصدي للأخبار الزائفة
أوضح شتيفان رايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية في مؤتمر صحفي عقد في برلين أنّه لا يمكن تقييد حرية الرأي إلا من خلال ما يحدده القانون، وليس حسب معايير منصات التواصل الاجتماعي. كما صرّح وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، لإذاعة فرنسية أنّ شركات التكنولوجيا العملاقة تشكل أحد التهديدات للديمقراطية ولحرية الرأي والتعبير.
وفي سياق متصل بالأحداث الجارية، قام حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا مع حليفه حزب الحركة القومية، بتمرير مشروع قانون يحد من انتشار الأخبار الزائفة. وهو الأمر الذي أثار ردود فعل محلية ودولية، اتهمت الرئيس رجب طيب أردوغان بالسعي لملاحقة الأصوات المعارضة له، فيما أكدت الحكومة أكثر من مرة سعيها إلى تقنين عمل هذه المنصات، مفرقة بين حرية التعبير، وبين ما قالت إنه "الحفاظ على حقوق الأفراد التي تتعرض للإهانة بشكل كبير" في إشارة إلى الحسابات الوهمية التي تسبب الإساءة للأفراد والطبقة السياسية.
فبين مؤيد للحجب ومعارض له، عادت إشكالية تقييد حرية الرأي والتعبير في الظهور خصوصًا مع صعود موجة الأخبار الزائفة والمضللة على منصات التواصل الاجتماعي.
القانون وسلطة شركات التكنولوجيا الضخمة
أقرّت العديد من دول العالم قوانين لمحاربة انتشار الأخبار الزائفة، ومنها دولة سنغافورة، إذ صادق البرلمان سنة 2019، على قانون لمحاربة الأخبار الزائفة، بعد مشاورات طويلة بين أعضائه ووسط حذر شديد من إعطاء الحكومة المزيد من النفوذ والحجة في السيطرة. القانون فرض على المخالفين تصحيح المحتوى الذي تقيّمه الحكومة، وعقوبات تصل إلى السجن لعشر سنوات وغرامة مالية تصل قيمتها لمليون دولار سنغافوري أي ما يعادل 735 ألف دولار أمريكي.
ولكن، من ناحية أخرى، فإن شركات التكنولوجيا الضخمة، تقوم بإزالة محتويات عديدة تعتبرها بحسب تقييمها مضللة أو زائفة، كتغريدة المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، بعد أنْ شككَ في لقاحات كورونا الأميركية والبريطانية. إذ كتب في حسابه على موقع تويتر: "إن استيراد لقاحات مصنوعة في أميركا أو المملكة المتحدة ممنوع، إنّها غير موثوق بها تمامًا. ليس بعيدًا أنهّم يريدون تلويث أمم أخرى". وأضافَ قبل حجب موقع تويتر لتغريدته :"إضافة إلى خبرتنا مع الدماء الفرنسية الملوثة بفايروس نقص المناعة المكتسبة (إيدز). كذلك اللقاحات الفرنسية غير الموثوقة أيضًا.
ويبقى السؤال ملحًّا: كيف تضمن الشعوب حقها في حرية الرأي والتعبير في ظل سطوة مواقع التواصل الاجتماعي إن لم يكن هناك قانون نافذ أعلى منها؟ وكيف يمكن حماية ديمقراطيات الشعوب في ظل وجود خطر استغلال الحكومات لهذا القانون في شكله الدوغمائي أو القمعيّ؟
المصادر