حظيت قصة الكشف عن وثائق مرتبطة بمحاكمة رجل الأعمال الأميركي الراحل جيفري إبستين وشريكته غيسلين ماكسويل، بانتشار واسع عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، واقترن ذلك الانتشار بالعديد من الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة.
وعلى اعتبار أن اسم إبستين ارتبط بالفضائح الجنسية والاستغلال الجنسي للقاصرات، فإن الأسماء التي ذكرت في الوثائق التي قررت السلطات القضائية مؤخرًا السماح بالاطلاع عليها، اعتُبرت على نحو غير صحيح "متورطة" بالتهم الموجهة لإبستين نفسه، وكان اسم العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ، الذي رحل عام 2018، أحد أبرز الأسماء المتهمة والمتداولة.
لا كشف عن "ميول غريبة" لستيفين هوكينغ
زعم مستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي أن وثائق المحكمة المرتبطة بإبستين، تضمنت تفاصيل حول "ميول ستيفن هوكينغ الجنسية" وجرى تداول صورة لنص زُعم أنّه يؤكد ارتباط هوكينغ بإبستين، وأنه جزء من وثائق المحكمة التي تم الكشف عنها، إلا أن بحث “مسبار” ضمن الوثائق المُعلن عنها حتى الآن، والتي بلغت ما يزيد عن 1200 صفحة، أظهر أن الصورة المتداولة مزورة، ولا وجود للنص الظاهر فيها ضمن الوثائق والسجلات المنشورة.
ويظهر النص المزيف محادثة بين شخصين، يستفسر فيها الأول عن ميول هوكينغ الجنسية، وهل سبق أن تحدث إبستين معه عن ذلك، ليرد الثاني بالقول: "نعم، لقد كان يحب مشاهدة أقزام عراة وهم يحلون معادلات معقدة على سبورة مرتفعة للغاية".
وردًّا على سؤال آخر ورد في ذلك النص، حول تردد هوكينغ على جزيرة إيبستين، كانت الإجابة "نعم، جيفري كان يحب استضافة المثقفين والعلماء ليتمكن من مكافأتهم على عملهم لأجل الإنسانية، ولأسباب أخرى أكثر غموضًا".
كما انتشر ادعاء آخر مفاده أن وكالة ABC الأميركية للأنباء نشرت خبرًا مفاده أن "ستيفن هوكينغ من الأسماء المسربة التي مارست الجنس مع القصّر".
لكن مسبار تحقق من هذا الادعاء ووجد أنه مضلل أيضًا، إذ إنه وبحسب بحث مسبار ضمن أرشيف الشبكة، وجد أنها لم تنشر أي خبر بهذه الصيغة التأكيدية الجازمة، بل إنها نشرت خبرًا آخر يدحض تلك المزاعم السابقة.
وبعيداً عن تلك المزاعم، فإن اسم هوكينغ ارتبط بإبستين مرتين، الأولى كانت ضمن بريد إلكتروني أرسله إبستين عام 2015 لشريكته ماكسويل، وعرض فيه "مكافأة لأصدقاء أو أفراد عائلة أو معارف فيرجينيا جوفري (صاحبة دعوى التشهير واتهمات الاستغلال الجنسي المرفوعة ضد إبستين وشريكته)، الذين يتمكنون من دحض مزاعمها المتعلقة بكون عالم الفيزياء الشهير انخرط بحفلة جنس جماعي مع قصر" في إحدى جزر إبستين، علمًا أنه لم يتم دحض أو إثبات صحة ما قالته جوفري حتى الآن. أما الثانية فمتعلقة بطلب إبستين من جوفري تسليمها جميع الصور ومقاطع الفيديو التي تجمعها بعدد من الأشخاص، بمن فيهم هوكينغ.
والجدير ذكره أن هوكينغ كان واحدًا من بين عدد من العلماء الذين حضروا مؤتمرًا علميًّا مدته خمسة أيام، في منطقة الكاريبي، كان من تمويل إبستين، والتُقطت له هناك صور عدة في عام 2006، قبل أشهر من توجيه اتهامات"ممارسة الجنس مع قاصر" لإبستين.
خرافة شرب دم الأطفال ومركّب الأدرينوكروم
انتشرت شائعة ومعلومات مضللة أخرى بالتزامن مع الكشف عن الوثائق، أُلصقت أيضًا بهوكينغ ورُبطت بشكل عام بقضية إبستين ومختلف الشخصيات الأخرى الواردة أسماؤها في الوثائق، وتتعلق بنظرية مؤامرة متداولة منذ سنوات حول "قيام نخبة العالم الفاسدة" بتعذيب الأطفال وشرب دمائهم للحصول على عقار "أدرينوكروم" الذي يحافظ على الشباب. كما زعم ناشرون أن هذا العقار هو السبب الحقيقي لوجود هوكينغ في جزيرة إيبستين.
ويعود انتشار ادعاء "الأدرينوكروم وحفاظه على الشباب" عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى نحو ستّ سنوات على الأقل، وضمن المعلومات التي نشرت حينها القول إن الراغبين بالحصول على تلك المادة يعذبون الأطفال لتحويل الأدرينالين الموجود في دمائهم إلى أدرينوكروم، وأن الحصول على كمية معينة منها يستدعي التضحية بثلاثين ألف طفل.
وتعود تلك المعلومات المتداولة خلال السنوات إلى رواية تحمل عنوان "الخوف والبغض في لاس فيغاس" للكاتب الأميركي هانتر تومسون، والتي نُشرت عام 1971، وحُوّلت إلى فيلم سينمائي واسع الشعبية عُرض عام 1998. وجاء ضمن تفاصيلها التي تتناول "رحلة وحشية إلى قلب الحلم الأميركي" إلى جانب تعاطي المخدرات والعقاقير الخطيرة في الستينيات، إذ ذكر فيها الأدرينوكروم، وأن مصدره الوحيد هو الغدد البشرية الحية، وأن تعاطيه بكثرة يقود الإنسان للجنون.
وهذا ادعاء زائف، إذ إنه، وبحسب مؤسسة "كيمستري يوروب"، أكبر تجمع للمؤسسات والمعاهد المعنية بالكيمياء في أوروبا، بالإضافة لعدد من الأوراق البحثية التي ناقشت المركّب، فإن الأدرينوكروم يُصنع عبر أكسدة الأدرينالين في المختبرات باستخدام أكسيد الفضة الأحادي كعامل مؤكسد، دون أن يكون لذلك علاقة بدماء أو أطفال، أما في جسم الإنسان عمومًا فإنه ينتج عن الأكسدة الحيوية للأدرينالين.
ولم يفض بحث مسبار عن استخدام الأدرينوكروم كمركب للحفاظ على الشباب أو كـ "إكسير للحياة" عن أية نتيجة علمية، سواء في مواقع الجامعات أو ضمن محرك بحث جوجل سكولار الخاص بالأوراق والأبحاث العلمية.
لكن هناك أبحاثًا تعود للعام 1954، نشرت في دورية الطب النفسي العلمية البريطانية، خلص العلماء القائمون عليها إلى أن للأدرينوكروم ارتباط بمرض انفصام الشخصية، في حين أشارت فرضيات علمية أخرى لاحقة عام 1990 إلى أن زيادة الأدرينوكروم في الجسم تجعل الإنسان أكثر عرضة للإصابة بمرض الفصام.
أما فيما يتعلق بآثاره النفسية، التي بالغ الفيلم الهوليوودي المقتبس من رواية تومسون في تصويرها، فقد قالت لوران كاريلا، عالمة نفس وأخصائية في علوم الإدمان في مستشفى بول بروس الفرنسي لوكالة فرانس برس، إن "الأدرينوكروم هو أحد مشتقات الأدرينالين وبالتالي من الممكن أن تكون له آثار كالأدرينالين كالخفقان السريع للقلب والتعرق، لكن لم يسبق أن سمعت قط بحالات إدمان أو تسمم بالأدرينوكروم، إنها قصة خرافية".
اقرأ/ي أيضًا
أبرز الأخبار الزائفة المرتبطة بالكشف عن وثائق إبستين
مسلسل عائلة سيمبسون لم يتنبأ بزيارة ستيفن هوكينغ إلى جزيرة إبستين