غرق زورق محمَّل بالمهاجرين قبالة شواطئ مدينة طرابلس اللبنانية الواقعة في محافظة الشمال يوم السبت 23 إبريل/نيسان الجاري. مضى حتى الآن يومان من البحث المستمر عن ضحايا أو ناجين، تأكّد خلالهما وفاة تسعة أشخاص من الجنسيتين اللبنانية والسورية، وإنقاذ الجيش اللبناني 48 شخصًا، وفق ما أعلن في بيان له.
يأتي ذلك دون قدرة فعلية على رصد العدد الحقيقي للركّاب الذين صعدوا على متن الزورق متوجّهين إلى أوروبا وقبرص تحديدًا، التي تبعد 175 كيلومترًا عن سواحل لبنان، هربًا من الوضع المعيشي المتردي وبحثًا عن حياة أفضل لهم ولأبنائهم، كما يروي عدد من الناجين لوسائل إعلام لبنانية محلية.
ففي الوقت الذي نشر الصليب الأحمر اللبناني على صفحته الرسمية في موقع توتير مساء يوم السبت 23 إبريل، أي ليلة وقوع الحادثة، أنّ عدد الركاب الذين كانوا على متن الزورق يبلغ نحو 60 شخصًا، نشرت جريدة النهار اللبنانية بدورها قائمة قالت إنّها حصلت عليها وتضمّ أسماء 75 راكبًا كانوا على متن الزورق عند غرقه. كما أنّه لا يوجد أي إحصاء رسمي لأعداد المفقودين.
وعدد الركاب غير المعلوم بشكل قاطع ليس اللغز الوحيد في هذه القضية. فطريقة غرق المركب تشكّل لغزًا آخر ليس أقلّ أهمية في تفاصيله وتبعاته على لبنان، لأنّه يضع الناجين في مواجهة مع الجيش اللبناني. فقد صدرت روايتان مختلفتان عن سبب غرق المركب، واحدة يتبنّاها الناجون ويتّهمون فيها الجيش اللبناني بإغراق الزورق الذي كانوا على متنه، وأخرى تتبنّاها القوّات البحرية التابعة للجيش اللبناني، التي اعترضت الزورق قبل غرقه.
فكيف غرق الزورق؟
انطلق "زورق الموت" فارغًا، مساء يوم السبت 23 إبريل من منطقة القلمون الواقعة جنوبي مدينة طرابلس. وشقّ طريقه باتجاه محمية جزر النخيل وسط البحر الأبيض المتوسط، قبالة طرابلس، حيث صعد على متنه ركاب كانوا بانتظاره عند الجزيرة التي قدموا إليها على أكثر من مركب، ممّا جعل عملية تحديد عدد الركاب الفعلي أكثر صعوبة جرّاء وجود أكثر من مهرّب متورّط في القضية، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية.
وعند وصول القارب إلى نقطة قريبة من جزيرة الرمكين القريبة من منطقة القلمون، اعترضه خفر السواحل اللبناني بهدف ثنيه عن المضي في رحلته غير الشرعية، لينقلب الزورق لاحقًا وتقع الحادثة عند تلك النقطة بالتحديد.
رواية الناجين من الغرق
وروى عدد من الناجين أنّ خافرة القوات البحرية اللبنانية اصطدمت بالزورق ممّا أدّى إلى انقلابه. ووجهوا أصابع الاتهام إلى العناصر الذين كانوا موجودين على متن القارب. وقال ناجي الفوال، وهو أحد الناجين في مقابلة تلفزيونية، إنّ الجيش هو الذي أغرقهم من خلال اصطدامه بزورقهم.
مؤتمر صحفي عقده قائد القوات البحرية اللبنانية
من جهته، عقد قائد القوات البحرية اللبنانية، العقيد الركن هيثم ضناوي، مؤتمرًا صحفيًا يوم أمس الأحد 24 إبريل، شرح فيه ملابسات الحادثة. وشارك صورًا وأدلة عن حالة الطقس وحالة الزورق الذي استقله المهاجرون وعن كيفية وقوع الحادث، ليحاول من خلالها تبرئة الجيش اللبناني من التهامات الموجهة إليه.
وأشار ضناوي إلى أنّ الزورق لا يتوافق مع شروط السلامة، وهو قديم ومصنوع عام 1974، قائلًا “المركب صغير، 10 أمتار، عرضه 3 أمتار، الحمولة المسموحة عليه هي فقط لستة أشخاص. وكنّا نعلم أن هذا المركب لا يحوي أي وسيلة من وسائل الإنقاذ. لا سترات إنقاذ، لا طوف نجاة..”.
وأضاف ضناوي “للأسف قائد المركب اتخذ قرارًا بتنفيذ مناورات للهروب من الخافرة والمركب الثاني، ممّا أدّى إلى ارتطامه بالخافرة والمركب الصغير. القارب الذي أرسلناه نحن كان أيضًا قديمًا ولم يكن من الممكن تعريضه لأي نوع من الخطر مثل اصطدامه بمركب آخر لأنه من الممكن أن نكسر مركبنا أيضًا ونغرقه، فهذا الموضوع خارج النقاش. استخدام السلاح كعمل خارج عن القانون كان أيضًا خارج النقاش”.
هذه ليست رحلة الهجرة غير النظاميّة الأولى من طرابلس
وسط تضارب السرديات المتداولة حول حادثة غرق الزورق، ما يزال البحث جاريًا عن مفقودين عددهم غير واضح، وتتركز العمليات على بعد نحو 10 أميال بحرية من الشاطئ بمشاركة زوارق الجيش. وهناك مطالبات من مسؤولين سياسيين، بالتحقيق في القضية للوصول إلى حقيقة وسبب غرق السفينة.
وهذه ليست الحادثة الأولى من نوعها التي تشهدها مدينة طرابلس فيما يخصّ الهجرة غير الشرعية. فقد سبقها حادثتان في عامي 2020 و2021. وفي أيلول عام 2020 توفي الطفل السفيان محمد عطشًا، على متن أحد القوارب غير الشرعية المتجهة من شمال لبنان. وفُقد العديد من ركاب القارب، بينما أُعيد عدد منهم إلى لبنان وسُجن آخرون، بعدما انتهى الأمر بالركاب ضائعين بعرض البحر لعدّة أيام، إلى أن عثرت عليهم حينها، وحدة من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان.
اقرأ/ي أيضًا:
فيديو الطفل الذي يبكي أخاه الميت ليس من لبنان
الصورة قديمة وليست لإنقاذ مهاجرين جزائريين
المصادر: